2014/08/10
265-TRIAL-
التعنت الإسرائيلي في المفاوضات الدائرة في القاهرة والذي يعكس الفوقية الإسرائيلية في التعامل مع الآخر كان متوقعا هذه المرة بالذات لأن إسرائيل خسرت في هذه المعركة أربعة وستين جنديا وتلك خسارة لم تعتد عليها إسرائيل في حروبها ضد القطاع، تتصلب تخوفا من معادلة تخشى أن تنشأ بعد هذه الخسارة وهي أنه كلما ضربت إسرائيل وكلما قتل منها أكثر فإنها تقدم التنازلات وان القوة هي الوسيلة الوحيدة لإرغام إسرائيل.
هذه المعادلة التي تم تشكيل الوفد الفلسطيني وسط أجوائها ورفعت المقاومة سقف طموحاتها ارتباطا بما تحقق على الأرض وهي ترى توابيت الجنود المعدة يوميا، ولكن إسرائيل بما تفعله الآن من استهتار بالمفاوضات ما هو إلا محاولة لكسر تلك المعادلة حتى لا تنشأ نظريات بعد هذه المعركة تعيد صياغة الوعي العربي من جديد وأساسه المس بأكبر قدر بإسرائيل حتى تستجيب للمطالب في المفاوضات وهذا هو منطق الصراعات التي تريد أن تنسفه إسرائيل.
قبل عدة سنوات أصدر أحد مراكز الدراسات في إسرائيل دراسة تشير إلى أن انسحاب إسرائيل من لبنان و غزة أعطى انطباعا للعرب بأن إسرائيل لا تنسحب إلا بالقوة وأوصى ذلك المركز بحربين على لبنان وغزة تستخدم الآلة الإسرائيلية خلالها كل قوتها لإعادة تحقيق الردع أي "الضربات الصاعقة" ورأينا حجم اللهب الذي صبته إسرائيل على غزة ولبنان وحاولت أن تكسر معادلات تبادل الأسرى والتي تشكل نقطة ضعف بالنسبة لإسرائيل من خلال قوة القانون لتخفيض سقف توقعات آسري الجنود الإسرائيليين ولكنها أرغمت على إجراء تبادل شاليت وعادت مرة أخرى هذا العام لإثارة المسألة قانونيا.
هدأت الحرب وسحبت إسرائيل قواتها على الأرض والتي أظهرت عجز قوات النخبة عن خطف النصر سريعا، ليس ذلك فقط بل كانت تلك القوات خاصرة إسرائيل الرخوة والتي حولت التهديد الإسرائيلي إلى نقطة الضعف وأحدثت تآكلا في قوة ردعها ونذكر عندما كانت تهدد بالحرب البرية، وعادت إسرائيل إلى التفوق الجوي فلا مضاد للطيران في غزة المكشوفة في حين أن إسرائيل تمكنت خلال السنوات الماضية من تخفيف الأضرار البشرية لصواريخ المقاومة وتحقيق قدر كبير في حماية الجبهة الداخلية.
إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم والتي لديها ثلاث وزارات للداخل أولها وزارة الداخلية، ووزارة الأمن الداخلي، ثم وزارة حماية الجبهة الداخلية وهي التي استحدثت بعد عدوان 2006 على لبنان وتمكنت تلك الوزارة من ضخ أموال كبيرة لبناء الملاجئ ووضع كتل إسمنتية ضخمة لعابري السبيل في الشوارع حيث إن أي مواطن إسرائيلي يستطيع الاختباء قبل الفترة التي تعطيها صافرات الإنذار وهذا ما يفسر تدني أعداد القتلى والإصابات من الصواريخ ولكن عندما كانت المواجهة وجها لوجه كان الأمر مختلفا.
سحب القوات البرية أراح إسرائيل من ضغط الميدان، وغياب ضغط الوسطاء وعدم إلزامهم لإسرائيل تقديم التنازلات باعتبارها الطرف المعتدي والذي يمارس حصارا لاإنسانيا ضد شعب آخر وقد تسبب ذلك بإعادة المبادرة لإسرائيل لتصبح الطرف الوحيد المقرر فيما الطرف الفلسطيني يجلس على قارعة الطريق منتظرا نهاية عطلة الأسبوع اليهودية.
هذا وضع غير مقبول فلسطينيا ويعطي لإسرائيل تفوقا سياسيا لم يعكس حقيقة المعركة التي كانت، وخصوصا عندما تقابلت الجيوش وهذا يعني أن الطرف الفلسطيني كأنه يفقد زمام المبادرة وتنحسر خياراته مقابل الترف الإسرائيلي وفيما الفلسطيني يدفع دما كل يوم ينعم الإسرائيلي بعطلة الأسبوع وتصبح خيارات الفلسطيني بين مفاوضات لا يقدم الإسرائيلي استحقاقاتها أو إعلان الحرب من جديد وفي كلا الخيارين خسائر ليست مرغوبة الآن، فالانتظار والمماطلة من قبل وفد إسرائيل يصور الفلسطينيين كمن ينتظرون حقوقهم من كرم الإسرائيلي والحرب تستدعي عدوانا بالطائرات لتدمير ما تبقى من غزة مقابل خسائر محدودة لإسرائيل.
إذاً، نحن في مأزق أمام محدودية الخيارات وحجم الخسائر والوقت من دم في هذه الحالة، وهنا السؤال كيف يمكن الخروج من عنق الزجاجة حين لم نتمكن من التقدم أو التراجع فلا سحب الوفد ممكن ولا إبقاء الوفد مقبول، ما العمل إذاً؟ هو السؤال الضروري الذي تلقيه الحالة التي نشأت أمام دهاء الإسرائيلي وعجز الحالة العربية من أن تشكل عمقا مساندا للفلسطيني.
الفلسطينيون بحاجة إلى اجتراح حل إبداعي أمام هذه الخيارات وكسر حالة التلاعب الإسرائيلي في مفاوضات إنسانية وليست مفاوضات سياسية أو وطنية، وهذه قضايا يفترض ألا تأخذ كل هذا الوقت وكل هذه المعارك ولكن حين يكون الفلسطيني أمام عدو كالإسرائيلي على درجة من الدهاء وحين يخوض الفلسطيني معاركه بلا دهاء مطلقا ويترك للسلاح أن يذهب أبعد مما يجب ولا يلتقط اللحظة تكون هذه النتيجة هي النتيجة الطبيعية التي نصل إليها.
ولأنها مفاوضات على قضايا إنسانية ولأن الوسيط يشهد على أن الفلسطيني أعطى الوقت اللازم للتفاوض بعد أن أوقف إطلاق النار يمكن أن يعطي ثمانيا وأربعين ساعة لبقاء الوفد في القاهرة وأنه إذا لم يتم التوصل لحل خلال هذه الفترة سينسحب الوفد المفاوض ويعود ليبحث خياراته من جديد وممكنات قوته التي يملكها وهي كثيرة أولها الميدان وآخرها مجلس الأمن والأهم من ذلك أن كل هذه المطالب الإنسانية والمعابر جزء من اتفاقيات سبق وتوقيعها مع الإسرائيلي منذ عقود بما فيها المطار والميناء، وما دام هناك طرف فلسطيني جزء من هذه الاتفاقيات لماذا لم يستدع ليتحمل المسؤولية وفقا لهذه الاتفاقيات وهذا يعفي وفد القاهرة كثيرا من تلاعب جديد، إسرائيل أصبحت تشكل مدرسة في التهرب من المفاوضات.
لقد حاولت المقاومة طويلا رفع الحصار عن غزة ولم تنجح لا بالحروب ولا بالتهدئات واتفاقياتها، وحتى لو تم الاتفاق ليس هناك ضمانات للتطبيق، والمثال اتفاقية تهدئة العام 2012، أن يستمر حصار إسرائيل لسكان غزة كل هذه السنوات الطويلة هذا لم يعد يحتمل وغزة تتراجع إلى ما قبل العصور الوسطى وآن الأوان للإفراج عنها، والسلطة أولا وأخيرا هي المسؤولة بعد أن تراجعت حركة حماس وتم اتفاق المصالحة وتشكلت حكومة الوفاق التي تعترف بالاتفاقيات مع إسرائيل والتي تشمل بروتوكول تشغيل المعابر فلتتحمل مسؤوليتها إذاً، أهون على غزة من الحروب، هنا مسؤولية السلطة و معبر رفح لا علاقة للإسرائيلي به.
إذاً، يمكن فكفكة كل القضايا دون أن تستمر دوامة الحرب والتهدئة وغياب الضمانات، دوامة يجب أن تنتهي لا أن نستمر في متاهتها، هكذا يريد الإسرائيلي مفاوضتنا طويلا على القضايا الإنسانية بعد أن افقد الفلسطينيين خيار المفاوضات ويحاول أن يفقدهم جدوى خيار المقاومة ويبقينا في إطار شعب تحت الاحتلال يفاوض على الحقوق الإنسانية هذا لا يجوز وعلينا التفكير بشكل أفضل.
Atallah.akram@hotmail.com 232
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية