هآرتس: الغنوشي.. داهية الإسلاميين

راشد الغنوشي

القدس / سوا / قال "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" إن الحنكة التي يتمتع بها رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي يفتقدها قادة الإخوان المسلمين في مصر، ما جعله قادرا على طرح أفكار جديدة، تتعلق بفصل النشاط الدعوي لحركته عن النشاط السياسي.

إلى نص المقال..

بعد مرور خمس سنوات ونصف على رفعها علم الثورة التي أشعلت الشرق الأوسط، تقدم تونس مجددا عرضا ثوريا يهز الحركات الإسلامية بالمنطقة. فقد أعلن زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي نيته فصل جماعته الدينية عن حزبه السياسي بشكل تام، وإقامة حزب ينشغل فقط بالسياسة مثل أي حزب مدني، وعلماني وديمقراطي، بينما ينقل النشاطات الدعوية، وتعزيز منظومة التعليم الديني، لمنظمات منفصلة عن الحزب. إذا ما حقق ما أعلن عنه نهاية الأسبوع الماضي، فسوف تكون هذه المرة الأولى التي تجري فيها جماعة دينية- سياسية تابعة للإخوان المسلمين تحولا تاريخيا كهذا.

 

لفهم تبعات هذا التحول، يجب أن نفكر ماذا كان سيحدث لو أعلن مجلس حكماء التوراة بأنه لن تكون هناك علاقة بين النشاط السياسي للأحزاب الحريدية (المتدينة) وبين النشاطات الدينية التي تجرى في المدارس الدينية (يشيفوت). ستتوقف الأحزاب الدينية عن تمثيل القطاع الحريدي فقط، وتتحول إلى أحزاب وطنية، تهتم بالجمهور ككل، حتى لا تستطيع استخدام الدين كقاعدة لمطالبها.

 

هل هذه نظرية أم وهم نهاية العالم؟ يعتقد عبد الرحمن الراشد المفكر والإعلامي المهم الذي سبق وأدار شبكة العربية، أن "الغنوشي ثعلب ككل ثعالب السياسة...يلبس قبعتين"، واحدة لإثارة إعجاب الجماهير في الخارج، أي الغرب، والثانية، المحافظ، للحفاظ على جمهوره في الداخل.

 

لكن الراشد أيضا لا يمكنه ألا يمنح الغنوشي وضعه. ليس فقط لأنه يقدره كمفكر إسلامي مهم ومؤثر، فهو يمجد سلوكه السياسي المفاجئ بعد ثورة الياسمين في تونس التي انتهت بفرار الديكتاتور زين العابدين بن علي. وفاز حزب النهضة بـ37% من الأصوات، كان يحظي بتأييد يمكنه من تشكيل حكومة.

 

لكن الغنوشي فضل بناء ائتلاف مع حزبين علمانيين، حزب المؤتمر بزعامة الناشط الحقوقي أبو منصف المرزوقي وحزب التكتل من أجل العمل والحريات بقيادة مصطفى بن جعفر.

 

ورغم أن هذه الحكومة كلفته تقليص عدد الحقائب الوزارية التي كان بإمكان حزبه الحصول عليها، ورغم موجات الغضب الهادرة التي وجهت إليه من قبل أعضاء حزبه، لم يتراجع الغنوشي.

 

لم تنته هنا المفاجأت التي أعدها الغنوشي للجمهور التونسي. عندما نوقشت مسودة الدستور التي على تونس"الجديدة" تبنيها، وافق الغنوشي على سلسلة من التنازلات المؤلمة في المجال الديني والسياسي. وبدلا من نظام برلماني خالص، مثلما أراد، والذي كان سيمنحه قوة سياسية هائلة، وافق على تسوية تقضي بنظام رئاسي- برلماني، تكون فيه معظم السلطات للرئيس.

 

وافق الغنوشي على تصنيف تونس كدولة مدنية لا دينية، تنازل عن وصف الإلحاد بالجريمة، وتبنى عمليا الصورة المدنية للدولة مثلما تبلورت منذ وصول الحبيب بورقيبة للحكم عام 1957.

 

فند الغنوشي المخاوف الهائلة التي تقول إن ثورات الربيع العربي سوف توصل للحكم أحزابا دينية متطرفة تحول "دول الثورة" إلى دول شريعة راديكالية. أثبت أن نموذج الحكم الذي أنشأه الإخوان المسلمون في مصر بعد الثورة، والذي قادتهم فيه الشهوة للحكم والاستعجال في تنفيذ الإيدلولجية الدينية لانهيارهم، ليس وباء يصيب كل دول الثورة.

 

في أغسطس 2013، وبعد شهر من الإطاحة بنظام الإخوان في مصر والاستيلاء على الحكم على يد عبد الفتاح السيسي، اندلعت تظاهرات حاشدة في تونس مطالبة بإقالة حكومة الترويكا وحل البرلمان بهدف إزاحة حركة النهضة من الساحة السياسية، اتخذ الغنوشي قرارا غير مسبوق دل على الفارق بينه وبين السلوك السياسي لإخوان مصر.

 

بعد مفاوضات مع شركائه في الائتلاف، وافق على تشكيل حكومة تكنوقراط، ونقل مفاتيح مكتب رئاسة الوزراء من يد علي العريض، رجل حركة النهضة، إلى مهدي جمعة رئيس حكومة التكنوقراط.

 

هذه الحنكة السياسية لم تتأت لإخوان مصر، الذين لم يفهموا حتى اليوم أن معركتهم على شرعية نظامهم خاسرة. ليس هناك خلاف على أن السلوك السياسي للغنوشي بعد يوليو 2013 تأثر من التطورات في مصر، لكن البشرى التي يقدمها، إذا كان ينويها بجدية، بعيدة المدى للغاية عن أي تلاعب سياسي. فهي تخرج بشكل حاد ضد إيدولوجية المفكر الإسلامي المصري سيد قطب التي فرضها على الإخوان المسلمين ومعظم الجماعات الراديكالية. تلك الأيدلولوجية المتطرفة التي جعلت منه الأب الروحي لتلك الحركات سواء تلك التي اتخذت طريق الجهاد العنيف، أو التي اكتفت بالدعوة.

 

في مسألة الديمقراطية كان لقطب نظرية منظمة. فقد أفتى بأن "الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست سوى واجهة يقف خلفها المال ورجال الثروة القادرون على شراء رأي الإنسان وتوجيهه للخيارات التي يريدونها”.

 

المال هو من يملك وسائل الإعلام التي توجه الرأي، ومن هنا ففي فترة العولمة لا يملك المسلم إمكانية تحديد المرغوب وغير المرغوب بالنسبة له، لأن غير المرغوب يتم تسويقه إليه على أنه مرغوب ومناسب.

 

حرية التعبير وحرية العمل التي تتحدث بها الديمقراطية الغربية ليست إلا حرية للكفر، وحرية عبادة الأوثان، وتدمير أسس الإيمان، وأمام كل هذا ت فتح الأبواب بتلك الديمقراطية المستوردة. وقضى قطب أن كلام الله هو الحاكم والمشرع الأعلى.

 

يتحدث الغنوشي عضو الإخوان المسلمين الآن عن "ديمقراطية إسلامية"، وليس عن دولة شريعة. صحيفة "الحياة الجديدة" الفلسطينية كشفت مؤخرا عن برقية بعث بها الغنوشي في شهر أبريل للمؤتمر الذي عقدته جماعة الإخوان المسلمين الدولية في إسطنبول، كتب فيها :"لا أسباب صحية ولا غيرها حالت دون حضورى ولكننى أرى يوما بعد يوم أن لحظة الافتراق بينى وبينكم قد اقتربت، أنا مسلم تونسى، تونس هى وطنى، وأنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية فلن أسمح لأى كان أن يجردنى من تونسيتى، لن أقبل أى عدوانا على تونس حتى لو كان من أصحاب الرسالة الواحدة، أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتى هى الأعلى والأهم".
 

وتابع :”لقد حذرتكم فى مصر وسوريا واليمن ولكن لا حياة لمن تنادى، أنا الآن جندى للدفاع عن أراضى تونس ولن أسمح للإرهاب مهما كان عنوانه أن يستهدف وطنى، لأن سقوط الوطن يعنى سقوطى”.

 

لكن الغنوشي أنكر أن يكون بعث بهذه الرسالة أو أنه تطرق لفراق عن الإخوان المسلمين. علاوة على ذلك، في مؤتمر الحركة الذي أقيم الأسبوع الماضي، والذي أختير فيه لولاية جديدة رئيسا للحركة، أوضح "نستغرب إصرار البعض على إقصاء الدين من الحياة الوطنية". أي من السياسة.

 

لكن في حديث أدلى به صبحي عتيق أحد رموز حركة النهضة لموقع الخليج أونلاين قال بالتفصيل "ليس لحركة النهضة أية علاقة تنظيمية أو انتماء لجماعة الإخوان المسلمين. حركة النهضة ظاهرة فريدة من نوعها. لتقوم بالدعوة تنظيمات أخرى، أما النهضة فسوف تواصل عملها كحزب سياسي".

 

التناقض بين حديث الغنوشي لصحيفة لوموند- الذي تحدث فيه عن المبادئ السياسية الجديدة التي ستنطلق منها الحركة وعن "الديمقراطية الإسلامية"- وبين كلامه في مؤتمر حزبه، يثير الاستغراب بالطبع، وانتقادات لأنه يحاول بشكل عام تسويق حزبه ونفسه في الغرب بينما لم يغير عمليا أيدلوجيته.

 

لكن لا يعتقد رموز جماعة الإخوان المسلمين في مصر ذلك، أولئك الغارقون في أزمة داخلية كبيرة على خلفية المعركة التي يخوضها ضدهم النظام المصري، الذي يصنفهم جماعة إرهابية. فالجيل الجديد في الجماعة المصرية لا يطالب فقط بانتخابات لمؤسسات الجماعة، بل يطالب بمراجعات حول الشكل الذي أديرت به الجماعة والأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة القصيرة التي قضتها في الحكم.

 

من المشكوك فيه إن كان الغنوشي سوف ينجح في إقناع القيادة الدولية للإخوان المسلمين بتبني أفكاره، أو تسويقها في دول مجاورة، لكن تونس أقلها على وشك تقديم نموذج مختلف للحركات والأحزاب الإسلامية، فريد ومتصالح لدمج الدين داخل الديمقراطية.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد