من جديد , عادت تونس التي اطلقت يوما شرارة ما سُمي لاحقا ب " الربيع العربي " تتصدر واجهة الاحداث العربية , من خلال الرسالة الشهيرة التي وجهها زعيم حركة النهضة إلى جماعته - الأم - جماعة الاخوان المسلمين .
ما الذي فعله الشيخ راشد الغنوشي ؟ هل هو تمرد أم ثورة جديدة أم مجرد انفصال ؟
فلتسقط النهضة – قال الغنوشي يوما – إذا كان سقوطها حياة لتونس وشعبها .
أي جرأة وحكمة امتلكها الرجل حين قال ما سبق , وحين خاطب مؤتمر التنظيم الدولي للاخوان المسلمين قائلا : "أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الاعلى والاهم ..اريد لتونس أن تحمي ابناءها بكل اطيافهم والوانهم السياسية , أنا بالفم الملأن أعلن لكم أن طريقكم خاطئ وجلب الويلات على المنطقة " . " ماذا سيتبقى لكم في حال دمار أوطانكم ؟يجب ألا تكون الكراسي هي الهدف , فالوطن هو الاهم " .
سال حبر كثير في حصر أبرز دلالات رسالة الغنوشي التي هزت مؤتمر التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ومنها :
رفض انظمة حكم جماعة الاخوان وداعش والنصرة وحزب الله لسوس المواطنين والاعلان عن ولادة نموج جديد من الحكم قائم على التخصيص وعدم الدمج بين الدعوي والسياسي .
تقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والوحدة على الانقسام والمشترك على الخاص, باعتبار أن الاسلام ليس ملكا لحزب أو جماعة , بل مرجعية دولة ونظام حياة .
الاعتذار عن سنوات من تاريخ الحركة وتنصلها من المسؤولية عما وصف بأنه جرائم لقوى اسلامية سياسية .
كان الغنوشي تابعا لمرشد خلف الحدود فاصبح مرشدا وزعيما وطنيا .
ما حدث كان طبيعيا بالنسبة لحركة غيرت اسمها أكثر من مرة منذ انطلاقتها أواخر السبعينات , وقالت يوما إن شعار "الاسلام هو الحل " شعار فارغ – حسب تعبير الشيخ عبد الفتاح مورو أحد مؤسسيها - لكنها أثبتت أن الحركات السياسية كائنات حية قابلة للتطوير أوالفناء .
ما حدث في الاردن وتونس يشير الى أن ربيع الجماعة الام بدأ يخبو وأن عليها توقع انتقال عدوى " النهضة " لاحزاب أخرى في المنطقة إذا لم تصوب أخطاءها –حسب الغنوشي .
كان الغنوشي , كغيره , يرى في جماعته تنظيما شاملا لكل مناحي الحياة , لدرجة لا تستطيع أن تحدد لها معالم واضحة . الاخوان المسلمون جماعة دعوية وطريقة صوفية وحزب سياسي وشركة اقتصادية وجابية ضرائب وهيئة رياضية ونظام تعليمي وصحي وميليشيا مسلحة . ومَنْ يكون على هذا القدر من الشمول هو الدولة نفسها وليس كيانا يشكل حركة عالمية عابرة للحدود . وعندما توجد جماعة بهذا الحجم فإنها تصبح دولة داخل دولة . ولأن الدولة واحدة لا تعرف التعدد أو الانقسام , فإن الجماعة الشمولية تجد نفسها في النهاية في صراع مع الدولة . وعندما ينشب الصراع بين الدولة الحق ودولة الجماعة فإن واحدة منها مسموح له البقاء .
ببصيرة نافذة رأى الغنوشي أن بلاده تسير إلى مصير ليبيا والعراق فقاوم شهوة السلطة والحكم , ورفض إحلال جماعته مكان الدولة وأن يقود البلاد إمام مسجد ليس من مهماته الخوض في دهاليز السياسة .
إذاً , ماذا يحدث عندما تقع السلطة والدولة بكل مؤسساتها في يد تنظيم تكتنفه السرية في كل شيئ ؟ لا تقل كارثة . حاول معي وفتش عن كلمة أخرى مناسبة . إن لم تجد فابحث عن كلمتين أو ثلاثاً ... , أو خذ نفسا عميقا يساعد على ابتلاع ما هو قائم في مناطق انت تعرفها .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية