121-TRIAL- بعد ألف موت وموت، وسقوط أكثر من عشرة آلاف شهيد وجريح، وبعد أن هدموا المنازل على السكان الآمنيين وأبادوا عائلات بأكملها، وبعد أن احرقوا الأرض والسماء موتا ونارا، وأشعلوا حتى الجثث المتناثرة والضائعة تحت الركام، وبعد أن صار الهواء دم، والبحر دم، وذبحوا الأطفال والنساء والمسعفين والصحفيين والطيور، وفجروا مدارس الإيواء والمستشفيات والمساجد وفاضت الثلاجات والقبور بالشهداء، أنادي من بقي في العالم من الأحياء.
انا غزة المفجوعة الثكلى المذبوحة علنا أمام ساحات العالم ومجالسة وكاميراته وخطاباته الكثيرة، جثتي في الشارع، رائحة لحم أولادي المشوية تحت الحجارة، دماء على الحيطان وحبال الغسيل والأحلام المقصوفة، أجساد مهشمة وممزقة، هنا رأس مقطوع وساق، هنا عينا طفل يطل برأسه من تحت الرمل، هنا شيخ قتلوه في المحراب في صلاة الفجر، هنا بقية طعام لعائلة مسحتها القنابل، وجثث معلقة على السياج تتأرجح بين صواريخ الطلعات الجوية والقذائف البرية.
انا غزة، أناديكم، نصف مليون إنسان في العراء، نازحون بلا مأوى ولا ملاجئ، القنابل هي صافرات الإنذار لموتنا المزلزل في الساحات والأزقة، لا دواء ولا خبز ولا ماء ولا كهرباء ولا مقابر، منازلنا مقابر جماعية، جثة تحمي جثة، جثة تمسك جثة، نموت أكثر بين هدنة و هدنة، إعدامات جماعية، جنون دولة إسرائيل في حربها العالمية على سكان غزة.
انا غزة، أناديكم، جثث متحللة ودم يسيل، رائحة موت ودمار شامل، الوقت في غزة تجمد، لا وقت للموت إلا الموت، لا أكفان ولا فاتحة، الخوف والرعب والفزع، أجساد مشوهة، لا قطع غيار، لا ملح ولا تثاؤب ولا نوم ولا هواء، وغزة خارج التغطية، الأطفال يرتدون الأكفان بدل ملابس العيد، لم يعد هناك أصدقاء.
انا غزة أناديكم من الشجاعية وخزاعة ورفح وجباليا، جثث تنبعث رائحتها من كل مكان، مصابون ينزفون حتى الموت، بيوت تحولت إلى أطلال وحجارة وذكريات، لا حياة ولا شجرة ولا جغرافيا تدل على المكان، بشر وأحياء بكاملها قد اختفت عن وجه الأرض، أب ينادي على أولاده المفقودين، طفلة تموت في حضن والدتها وبيدها قطعة حلوى، لوحة من جهنم، قصيدة شيطانية قادمة من كوميديا الجحيم الاسرائيلية.
انا غزة الذاكرة، أناديكم، باسم صوت جوليا بطرس في أغانيها الشهيدة وباسم الله واكبر من على منابر المآذن المقصوفة، باسم ضريح جد الرسول هاشم بن عبد مناف الذي جرفته قنابل الموت، باسم الإمام الأعظم محمد الشافعي، باسم مساجدها التاريخية وكنائسها الأثرية ، باسم أبوابها السبع المطلة على القدس وحيفا والناصرة، باسم عصورها الحضارية وقلاعها وفسيفساء بحرها ومعابدها وفرسانها وأنبيائها وحصونها، باسم شعرائها من هارون هاشم رشيد حتى معين بسيسو، الذين نحتوا قصائدهم على صخرها الرملي أسوارا تحميها من البرابرة.
انا غزة المقاتلة، أناديكم، كونوا معي فوق الأرض وتحت الأرض، خندقي وبرتقالي ورصاصي وصمودي ونصري، لا تتركوني وحيدة يتيمة أمام عدو يريد رأسي ورأسكم، يريد إعدام الحياة هنا وإعدامكم هناك، رائحة القدس في دمي ودمكم، رائحة صلاح الدين ودم المسيح ، ولا دولة بلا غزة، لا بحر بلا غزة، لا سلام متكامل ولا أناشيد للمستقبل ولا تسوية.
انا غزة العدالة الكونية، أناديكم، يا هؤلاء الصامتين طويلا طويلا أمام دولة مجرمة هي عضو في الأمم المتحدة، تُذبح الأمم المتحدة في غزة، تسقط إعلامها ومبانيها وقراراتها وأهدافها وثقافة حق تقرير المصير وحق الشعوب بالمقاومة، وتسكت على جرائم حرب وإبادة جماعية تنفذها دولة هتلرية وعنصرية تتحداكم وتتحدى العدالة الإنسانية، تقصفكم بقنابلها الكيماوية والفسفورية والمسمارية والكربونية والفراغية.
انا غزة المحكمة الدولية، أناديكم، خذوا الضحايا إلى محكمة الجنايات الدولية، وطالبوا بتشكيل محكمة دولية خاصة لدولة إسرائيل على ارتكابها جرائم ضد الإنسانية، تحركوا فالدم يجف فوق الرمل وفي الذاكرة، تحركوا فالقدس والوحدة الوطنية هي هدف الضربة الثانية.
تحركوا، لا حصانة للاحتلال وجرائم الإبادة الجماعية، تحركوا قبل أن تموت التقارير والشهود، وترتفع فوق الجثث والأنقاض العمارات الشاهقة، ومشاريع مسح الغبار والصرخات والآلام من خزاعة ورفح و بيت حانون و الشجاعية.
انا غزة، خليل الوزير واحمد ياسين، رحلة ابن بطوطة، رحلة الشتاء والصيف في سورة قريش والناس الآمنين من احتلال وجوع وخوف، لا تتأخروا ولا تسمحوا لوعيكم أن تصهره القنابل وتصير أرقام الشهداء المتصاعدة عادية.
انا غزة أسرى الحرية، أناديكم، لأن جيش الاحتلال قام بإعدامات ميدانية خارج نطاق القضاء لأسرى مقيدين لم يبدوا أي مقاومة، قام بتعذيبهم وإهانتهم وإخفائهم من الوجود ، هناك معسكر مظلم خلف السياج، وهناك أسرى جرحى ينزفون، وهناك مفقودين، وتذكروا أن هناك 7000 أسير خلف القضبان ، وان الحرب على غزة عنوانها الاسرى، بعد أن اعتقلت إسرائيل الاسرى المحررين ولم تفرج عن الدفعة الرابعة.
انا غزة الانتصار، أناديكم، لا راية بيضاء في غزة، لم يحصلوا على صورة النصر المفترضة ، تغيرت المعادلة، غزة الشرك والمصيدة لكل الغزاة، غزة المقاومة للمافيا المسلحة المعبأة بالحقد والكراهية، وغزة الرهاب والشبح لكل من يطا أرضها، وغزة النهوض من قاع الأرض إلى الأعلى، موجات البحر الغاضبة، غزة، فضيحة الاستعلاء الإسرائيلي الكاذبة، غزة التي قال عنها محمود درويش:
قد ينتصر الأعداء على غزة،
قد ينتصر البحر الهائج على جزيرة صغيرة،
قد يقطعون كل أشجارها،
قد يكسروا عظامها،
وقد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونساءها،
وقد يرمونها في البحر أو الرمل أو الدم لكنها:
لن تكرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة نعم،
وسيستمر الانفجار. 118

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد