تل ابيب:تفكك العالم العربيّ إلى كيانات عرقيّة ودينيّة سيُرافقنا سنوات طويلة
القدس / سوا / رأت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، رأت أنّه بمرور خمسة أعوام على بدء الاضطرابات الإقليميّة الدراماتيكيّة جديدة الصنع وغير المتوقعة وغير محددة المعالم، التوقيت الحقيقيّ، الذي تفككت خلاله دول وسقطت أنظمة واندلعت حروب ولم تتوقف، لم ينتهِ بعد، ومن الواضح أنّ هذا هو الواقع الذي سيرافقنا في المستقبل القريب.
ثلاثة صراعات تدور في وقت واحد، وهي مثال لحركة معمارية للوحات تأسيسية في العالم العربيّ، أولها: الصراع الاجتماعي الاقتصادي الذي أشعل الـ”ربيع العربي”، والذي قاده شباب محبطون أغلقت في وجوههم جميع السبل وباتوا يشعرون أنّهم لا يستطيعون تحقيق تطلعاتهم، الأحداث التي بدأت منذ أنْ خرج هؤلاء الشباب إلى الميادين أبعدتهم أكثر عن الهدف المرجو.
الثاني: الصراع الطائفي بين السنة والشيعة حول الهيمنة الإقليمية، ضدّ الهيمنة المتنامية للمحور الشيعي بقيادة إيران، تموضعت جبهة سنية منهارة ومتنازعة تضمنت العربية السعودية وتركيا ومصر والأردن والإمارات الخليجية، وكذلك عناصر الجهاد السلفي وهم القاعدة و”داعش”، الصراع داخل المعسكر السني في ظل صعود “الدولة الإسلامية” والتي تحمل فكرًا سنيًا جديدًا- قديمًا للخلافة القائمة على أساس قوانين الشريعة الإسلامية، والتي تقود مجهودًا حديثًا لتحقيقها، وضع قائمة طويلة من المعارضين: الدول السنية والإسلام السياسي والحركات السلفية السنية ما عدا “الدولة الإسلامية”.
ولفتت الدراسة إلى أنّ الديناميكية والصراعات متعددة الطبقات تضع تحديات من الوزن الثقيل، وإلى جانبها فرص كثيرة لتصميم بيئة إستراتيجية من نوع آخر.
وشدّدّت على أنّ هذه الازدواجية صحيحة بالنسبة لجميع الجهات المعنية في الشرق الأوسط، ناهيك عن إسرائيل.
وأوضحت أنّ السياسة الإسرائيلية كيفّت نفسها مع التغيرات المتواترة، وسيما من خلال تعزيز مكونات الدفاع والامتناع عن التدخل ما أمكن فعل ذلك، ولكن في ذات الوقت ظلّت إسرائيل ثابتة عند قدرتها على بناء روافع تأثير على الأقل في محيطها الاستراتيجي القريب، وهي مستمرة في البناء على منطقيات وقواعد لم تعد سارية المفعول، لذلك التحدي والفرصة الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل في العام القريب هما اعتماد طرق تفكير مستحدثة والفهم أنّها تعيش ذروة معركة مصيرية لرسم معالم وجه الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه مكانها ومكانتها والحاجة إلى بلورة مفهوم يفتش عن الفرص وتطوير مزيج جديد من الأدوات والوسائل متعددة المجالات. وبحسبها، فإنّ المبدأ الأهّم في تصميم جدول الأعمال الإقليمي لتقديم المصالح الإسرائيلية هو الفهم أنّه يوجد صلة وثيقة بين الخطوات والتوجهات في المساحات الجغرافية المختلفة.
على نقيض الشرق الأوسط ما قبل العام 2011 فاليوم من غير الممكن تقريبًا مواجهة التحدي على ساحة ما دون ربطها بساحة أخرى أوْ أنّ مواجهتها ستولد سلسلة من الانعكاسات غير المقصودة. وبناءً عليه، أكّدت الدراسة، يصعب تقديم فرص في مجال معين وبشكل مستقل، والمطلوب تسخير لاعبين مختلفين رسميين وغير رسميين ليصبحوا شركاء. وأشارت أيضًا إلى أنّ ضعف البناء الرسمي في أجزاء واسعة من المنطقة جعلت من التأثيرات الاجتماعية التربوية مهمة إلى حدٍّ أكبر من المعتاد، حيث يجب أنْ تتغير نقطة المرجعية لتوافق ذلك من خلال التأكيد على إقامة ائتلافات إستراتيجيّة سياسيّة عليا، إلى جانب خلق اتصال مع جهات شبه رسمية ذات صلة. وبالتالي، أضافت أنّه على صنّاع القرار في إسرائيل أنْ يتذكروا أنّه الآن أكثر مما في الماضي فإنّ محيط إسرائيل القريب هو منظومة معقدة كثيرة الأوجه والمنطقيات، والتي تتميز بانتماءات وتأثيرات متبادلة، على حدّ تعبيرها.
وبحسب الدراسة، المطلوب من إسرائيل الاستعداد لاحتمال تفكك النظام الرسمي القائم في الشرق الأوسط، وتفكك جزء من الدول إلى عدة دول وأحكام ذاتية وجيوب أوْ كيانات أخرى عرقية أوْ دينية متفرقة، من أجل ذلك من الصواب أنْ ت فتح إسرائيل علاقات سرية وعلنية أيضًا مع مجموعات عرقية ومع أقليات ولاعبين آخرين غير معادين لإسرائيل ويتوقع أنْ يكون لهم دور بناء ومستقر في رسم معالم وجه الشرق الأوسط في المستقبل. وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه في البيئة الإستراتيجية الجديدة لإسرائيل توجد فرص لتحسين مكانتها الإقليمية وإقامة تعاون أمني، وفي مجال الطاقة والتقني والزراعي وفي مجالي الماء والبنى التحتية مع جهات في العالم العربي البراغماتي، ومن أجل ذلك المطلوب من إسرائيل أنْ تعرض بطاقة دخولها: دفع العملية السياسية مع الفلسطينيين من خلال طرح مبادرة سياسية على الطاولة مع نوايا حقيقية لخلق واقع الدولتين، على حدّ تعبيرها.