لماذا يتوق شباب غزة للزواج من أجنبيات؟
غزة / سوا / ينتظر الشاب محمود إسماعيل (23 عاماً) فتح معبر رفح البري على أحر من الجمر، من أجل السفر إلى فرنسا لإكمال تعليمه الدراسي، ولكن ثمة سبب أقوى يجعل إسماعيل مصمماً على هذا السفر رغم الصعوبات التي يواجهها المسافرون الغزيون، وهو رغبته الشديدة بالارتباط بفتاة فرنسية من أجل نيل الجنسية الفرنسية.
وهذا الشاب واحد من عديد من الشبان الذين يأخذون فكرة الارتباط بفتيات أجنبيات على محمل الجد؛ فمنذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2007 زاد الإقبال على هذا النوع من الزواج، من أجل نيل جنسية أخرى لضمان حياة أفضل، وللتخلص من النظرة السلبية الدنيوية التي تتعامل بها البلدان المختلفة مع الفلسطيني الراغب في السفر إليها أو الإقامة فيها.
دوافع اقتصادية ومعيشية
ويقول إسماعيل لصحيفة فلسطين المحلية: "أسعى للارتباط بفتاة أجنبية من أجل الحصول على جنسية أخرى سعياً وراء حياة أفضل، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والسياسية والأمنية في قطاع غزة".
وأوضح أن مكانة الفلسطيني المتدنية في كافة بلدان العالم، تجعله يسعى لنيل جنسية أخرى، تجعله قادراً على العيش بسلام ودون أي قيود في الحريات الخاصة بالفلسطينيين، مشيراً إلى أن الفلسطيني يعاني من معاملة سيئة عند سفره إلى أي دولة في العالم وخاصة البلدان العربية.
وبيّن أن الحصول على الجنسية الفرنسية يتطلب منه الزواج بفتاة فرنسية ويستطيع الحصول عليها بعد عامين من هذا الارتباط، لافتاً النظر إلى أن الكثير من الشبان الفلسطينيين يضطرون للارتباط بفتيات أجنبيات ليس إلا للحصول على جنسيات أجنبية، ومن ثم يطلقونهن.
وأضاف: "أعرف الكثير ممن فعلوا ذلك، ولكني لا أنوي فعل هذا الأمر لأن الفتاة التي أرغب بالارتباط بها هي فلسطينية من أم فرنسية، وهذا الأمر يبشر بنجاح الزواج وإقامة أسرة مستقرة ومتكافئة اجتماعياً ونفسياً".
حياة أفضل
وهذا ما ينوي فعله أيضاً الشاب خميس الحسني (28 عاماً) الذي ينوي الزواج من فتاة كندية من أجل الحصول على جنسية أخرى.
وقال الحسني لـ"فلسطين": "في حقيقة الأمر أنا لا أنوي الهجرة من غزة، بل الحصول على جنسية أخرى فحسب، وعندما أحصل على ذلك سأعود إلى غزة لأن عائلتي جميعها هنا، لذلك لن أعيش مغترباً طوال حياتي من أجل الحصول على جنسية أجنبية".
وأوضح أنه تعرف على فتاة كندية مسلمة من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة، وبعد موافقة عائلته على الارتباط بها ينتظر الحسني فتح معبر رفح من أجل الالتقاء بها وإتمام هذا الزواج.
وبيّن الحسني أن رغبته بالارتباط بهذه الفتاة هي للحصول على حياة وتعليم أفضل، مشيراً إلى أن الحصار الإسرائيلي وتكرار الحروب على غزة تسببا في إحداث تدهور في كافة القطاعات ونواحي الحياة مثل التعليمية والصحية وغيرهما.
ولفت النظر إلى أنه يسعى للحصول على جنسية أخرى بهدف توفير حياة أفضل لأبنائه، وفسر حديثه بالقول: "الأوضاع في غزة في تدهور مستمر، ولا أعلم إلى أي درجة ستصل الأمور عندما يصبح لدي أبناء شبان، فمستويات البطالة والفقر في تصاعد مستمر في غزة، والخريجون الجامعيون يعملون في مهن متدنية من أجل الحصول على مصدر رزق، لذلك أنا أريد ضمان مستقبل أفضل لأبنائي من خلال الحصول على هذه الجنسية".
وللحصول على الجنسية الكندية عن طريق الزواج، سيضطر الحسني للبقاء في كندا عاماً كاملاً من أجل إثبات مصداقية هذا الزواج، كما أن السلطات الكندية لديها إجراءات أكثر تعقيداً من الدول الأخرى في منح الجنسية بالزواج حيث تقوم وزارة الهجرة الكندية بالتحقق من مصداقية الزواج وتشترط أن يكون الزواج طبيعياً والغرض منه هو الارتباط وليس المصلحة أو الرغبة بالحصول على الجنسية- وفقاً للحسني.
وتابع: "كما أن كندا ترفض منح الجنسية للمتزوج من فتاة كندية في حال لم يكن هناك توافق ثقافي وتقارب بالسن بينهما، وفي حال وافقت السلطات الكندية على طلب منح الجنسية للمتزوج الأجنبي فإنه يتوجب عليه البقاء في كندا 3 سنوات من أجل الحصول على الجنسية".
آثار مجتمعية
المتخصص الاجتماعي والنفسي، زهير ملاخة، يرى أن ثمة دوافع اجتماعية ومعيشية واقتصادية ونفسية وراء توجه بعض الشبان نحو الزواج من أجنبيات للحصول على جنسية أخرى، أهمها استمرار فرض الحصار والإغلاق الإسرائيلي على غزة، وتدني فرص العمل والحصول على حياة أفضل.
وقال ملاخة لـ"فلسطين": "بالإضافة إلى الواقع الاقتصادي المرير، هناك من يسعى نحو التحرر أو العلم أو الهروب من الواقع المعيشي والسياسي المتردي، لذلك فالظروف المحيطة تدفع لتعزيز توجه بعض الشبان إلى الحصول على جنسيات أخرى"، مشيراً إلى أن هذا التوجه يشكل لأولئك الشبان طريقا هروبا عن الواقع المأساوي.
وأوضح أن ازدياد هذه الظاهرة من شأنه أن يتسبب بشرخ اجتماعي كبير في المجتمع الفلسطيني، مضيفاً: "هذا الأمر ينعكس سلباً على المجتمع الفلسطيني، ويساعد على هجرة الشباب الذين يعدون العامود الأساس في المجتمع، والفئة المعمرة والمنتجة، لذلك فإن هذا الأمر يتسبب بتدمير مقومات المجتمع، كما أن الهجرة قد تعرض الشباب لأذى فكري وانحراف عن البوصلة المجتمعية".
وتابع ملاخة: "الزواج من أجنبية قد يؤثر أيضاً على المنظومة الاجتماعية الداخلية للمجتمع الفلسطيني بزيادة مشكلة العنوسة والإخلال بالعادات والتقاليد المتوارثة الأمر الذي قد يهدد استقرار المجتمع ومستقبله وهذه مشكلة كبيرة".
ولفت النظر إلى أن نجاح الزواج من أجنبية يرتبط بعدة عوامل، أهمها الانسجام الفكري والثقافي والترابط الأخلاقي والقيمي والديني، وقال: "الرجل الشرقي لديه عادات من الصعب التخلي عنها، ويسير وفق منهج حياة متوارث، لذلك نجاح الارتباط بفتاة أجنبية يرتبط بمدى قدرة الرجل الشرقي على الانسجام مع المتغيرات على حياته، وتقبلها، ويرتبط أيضاً بمدى الانسجام الثقافي بين الطرفين، والتأثر بثقافات الغير والقدرة على التعايش معها".