يُحكى أن عجوزاً كان ينقل الماء من البئر في دلوين يحملهما بعصا على الكتفين، وكان أحدهما مشقوق والآخر سليم، وبالطبع يصل الماء إلى البيت كاملاً في الدلو السليم، وناقصاً حتى النصف في الدلو المشقوق، وفي ذات يوم اعتذر الدلو المشقوق للعجوز لأنه يفقد نصف مائه،  فقال له العجوز: هل تَرى الأزهار الجميلة على الجانب الأيمن من الطريق؟ هذه الأزهار نبتت بفضل مائك الذي يتسرب على طول الطريق. هذه قصةٌ تُحكى وربما مشهوره في العديد من أماكن المعمورة، وبالطبع تحمل في طياتها أروع معاني الحياة، إنطلاقاً من تضحية العجوز في نقل الماء، الى مبدأ الاعتذار رغم النتائج الايجابية التي حدثت بسببه، وأخيراً ما وصلنا إليه من تشبيه الأزهار بالحياة الجميلة الخالية من المنغصات رغم وجودها، وأن كل شيء في هذه الحياة هو مُقدر مهما صغر حجمه وقل شأنه.

لكن قليلون هم اليوم من يَتحلون بهذه الصفات، أي وكأن الحياة أصبحت غير الحياة والناس كذلك، فبدأت بعض المفاهيم بالتلاشي والاختفاء، وحلت مكانها مفاهيم الجشع والتسلط والكسب غير المشروع، فلم تعد هنالك تضحية من أجل أحد ولا لأي أحد، فالتضحية الموجودة هي فقط تضحية الذات من أجل الذات، وربما يحدث خلاف بين الذات ونفسها، لانه بالأصل حدث هنالك خلل بالتربية أدى إلى نقص ديني وعقائدي وخُلقي وحتى حسب العادات المتعارف عليها في تنظيم علاقات الناس فيما بينهم، وهذا النقص أيضا جعل من مبدأ الإعتذار والتسامح عملة نادرة لا وجود لها، فكثرت الإشكاليات وتعددت المسببات حتى وصلنا الى ان كل يوم لا بد من سماع خبر مشؤوم، كحالات القتل التي تحدث وبكثرة، والتي هي بالأصل من الحالات أو القضايا الغريبة على مجتمعنا، والتي لم تكن لتحدث لو ببدايتها تم النطق بكلمة الاعتذار. وحتى حالات النصب والكذب وغيرها الكثير من القضايا التي أصبحت تعج بها المحاكم، كلها لم تكن لتحدث لو لم يكن هنالك النقص في النفس.

لا شك بأن لكل قاعدة إستثناءاتُها وهنالك الكثيرون من الذين يراعون الله في تعاملاتهم وحياتهم، ولكن السائد أن الطالح يطغى على الصالح هذا من جانب، ومن جانب أخر البعض يعقتد بأنه على صواب وأن ما يفعله صحيح ولا يقبل الشك والريبة، رغم أنه ولا مرة جلس مع ذاته يُقييم نفسه، ليستمر في صوابه ويُحيد عن خطأه، وهذه القضية بحد ذاتها تُمثل مأساتُنا التي أصبحت تحاصرنا وتتغلغل فينا، الكل يرى نفسه على صواب الآخرون يرون ظلمه، وبين هذا وذاك ضاعت أمة وبلد وأرض مقدسة.   

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد