بعد النجاحات التي حققها كل من المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى قبل نهاية هذا العام دونالد ترامب، والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، في الانتخابات التمهيدية، كل منها في حزبه، وبعد انسحاب معظم، أو أهم منافسيهما، كل التقديرات تشير، بشكل شبه مؤكد، إلى أن المواجهة الأخيرة، ستكون بين هذين المرشحين.
وعلى عكس عادة الانتخابات التمهيدية، التي عادة ما تشهد تنافسا حادا في أول السباق، إلى أن تتقدم عجلتها حتى منتصف الطريق، وأحيانا تستمر المنافسة حتى آخر لحظة، لم تشهد الانتخابات التمهيدية هذا العام تنافسا من هذا القبيل، وإذا كان الأمر مفهوما أو متوقعا، على الجانب الديموقراطي، نظرا إلى أن كلينتون في دائرة المشهد السياسي منذ نحو ربع قرن، قضت منها ثمانية أعوام في البيت الأبيض، كزوجة للرئيس الأسبق بيل كلينتون، وأربعة أعوام أخرى كوزير للخارجية خلال الولاية الأولى للرئيس الحالي باراك أوباما، فان الأمر على الجانب الجمهوري هو الذي يبدو غريبا!
فقد تقدم تاجر العقارات الملياردير دونالد ترامب، بشكل مذهل، رغم أن البعض كان يتوقع، أن يظفر بالسباق الرجل الثالث في عائلة بوش الحاكم لمدة ولايتين لفلوريدا، جيب بوش، إلا أن المثير للجدل ترامب، تقدم بشكل فاجأ الجميع بمن فيهم هو نفسه، الذي كان يتحدث بوضوح عن انه سيترشح بشكل مستقل، فيما لو لم يفز بترشيح الحزب الجمهوري. 
في الحقيقة، إنه باستثناء ترامب على الجانب الجمهوري، وبيرني ساندرز على الجانب الديموقراطي، لم يظهر هناك "تباين" واضح بين المرشحين، خاصة حول السياسة الخارجية، فساندرز المرشح اليهودي الوحيد، واجه كلينتون بموقفه المتوازن تجاه القضية الفلسطينية، خاصة إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة ، مقابل ما أظهرته كلينتون من انحياز فظ للعدوان الإسرائيلي على القطاع، فيما أظهر ترامب عداء فظا تجاه كل ما هو غير أميركي، ولم يقتصر الحال على دعوته لوقف الهجرة في وجه المسلمين، بل انه اتخذ موقفا مشابها تجاه الهجرة المكسيكية، وأعلن موقفا أثار رد فعل عنيفا من الصين، حين اتهمها باغتصاب الولايات المتحدة، وانها - اي الصين - مسؤولة عن أكبر عملية سطو في تاريخ العالم، وذلك عبر التلاعب بالعملة !
حتى بريطانيا التي تعتبر نفسها الأب الشرعي للولايات المتحدة الأميركية لم تسلم من لسان ترامب، حين تدخل في شؤونها الداخلية ودعاها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لذا فإن استطلاعا غريبا من نوعه، أجرته صحيفة ألمانية لمواطني دول العشرين، اظهر رغبة اغلبية مواطني تلك الدول - باستثناء روسيا، في فوز كلينتون، ما يعني أن فوز ترامب بالرئاسة، سيعني قيادة الولايات المتحدة لحالة من التوتر في العلاقات الخارجية، وربما من العزلة الدولية، التي قد تدفعها، إما إلى شن حرب وبدء ومواجهات في أكثر من مكان، أو الانكفاء على الذات. 
وحيث إن تراث الانتخابات الرئاسية الأميركية يشير إلى تداول متواصل للرئاسة، بحيث أنه "نادرا" ما استمر حكم أحد الحزبين الكبيرين، الجمهوري أو الديموقراطي، لأكثر من ولايتين، يشغلهما عادة رئيس واحد، يكون قد فاز كمرشح / نائب في الولاية الأولى، وكمرشح / رئيس في الثانية، ونظراً لتوقع فوز الجمهوري حتى بالانتخابات البرلمانية، وربما لأسباب أخرى، يمكن القول إن فرصة المرشح الجمهوري للفوز بمنصب الرئيس الخامس والأربعين هي الأرجح، لذا فان المخاوف في العالم بأسره تزداد مع اختيار الحزب الجمهوري شبه المؤكد - الآن - لترامب.
الصين وردا على تصريحات ترامب المشار إليها، طالبت وبشكل رسمي الناخبين الأميركيين أن يكونوا عقلانيين وموضوعيين، لوقف تصاعد ترامب.
وفي بريطانيا نشرت صحيفة الديلي ميل واسعة الانتشار تقريرا مفصلا يعرض حياة ترامب منذ الطفولة وصولا إلى يومنا هذا، تناولت فيه علاقاته العاطفية واغتصابه لزوجته السابقة وتحرشه بملكات الجمال، وقالت الصحفية إن المكان المفضل أواخر سبعينيات القرن الماضي لترامب كان "ستوديو 54" الملهى الليلي الأكثر شهرة في منهاتن، والمعروف بنشاطات المال والجنس والمخدرات. 
منذ أوائل العقد التاسع من القرن الماضي، أي منذ أكثر قليلا من ربع قرن، أي بعد فوز أميركا بالحرب الباردة، والولايات المتحدة تقود العالم، بشكل منفرد، سياسيا وعسكريا، وتفرض عليه حروبا بالإكراه (مثال أفغانستان والعراق، ومن ثم سورية)، وحيث إنه بعد الحرب الباردة بات من الصعب مواجهة أميركا عسكريا، كما فعلت سابقا حركات التحرر، فان مواجهة التطرف ونزعة الهيمنة والسيطرة العرقية / القومية، التي تظهر عبر ترامب، لا بد من مواجهتها بأشكال أخرى، لذا يبدو أن التصدي الإعلامي لبرنامج ترامب لم يعد قصرا على الحزب الديموقراطي، بل بات يجب على كل العالم.
ويبدو أن نزعة الهيمنة "وروح" الدولة العظمي، تدفع ترامب لمحاولة إضعاف كل مراكز القوة المنافسة في العالم، لذا سعى إلى لفت الأنظار نحو الصين القوة الاقتصادية المتعاظمة، كذلك إلى محاولة دق الأسافين في الاتحاد الأوروبي في محاولة لإضعاف وحدته، بتشجيع خيار خروج بريطانيا من الاتحاد، حتى تعود أوروبا تابعا للولايات المتحدة كما كان حالها أبان الحرب الباردة!
أم على صعيد الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فيبدو أن الأمر لن يختلف بين المرشحين وأسلافهما، فترامب أعلن أنه لن يتدخل، كما فعل جورج بوش الابن، فيما كلينتون، ستحاول أن تبيع الهواء كما فعل أوباما، عبر توليها الخارجية سابقا، أما تجاه إسرائيل فقد أعلن ترامب أنه سيقوم بنقل السفارة إلى القدس ، وظهر كما لو كان يمينيا متطرفا إسرائيليا، بإعلانه أنه سوف يدمر الاتفاق مع إيران، كلينتون تظهر تأييدها لإسرائيل كما كانت حال زوجها الذي رعى أوسلو، وكما فعلت خلال الولاية الأولى لأوباما، وهذا قد يناسب اليسار الإسرائيلي، لو أنه كان في الحكم  في إسرائيل أو لو أنه عاد إليه، لذا تبدو حملة ترامب أكثر زخما من حملة كلينتون، لكن ما زال هناك وقت طويل ليوم الحسم في تشرين الثاني القادم، حيث ربما يكون "لتدخل العالم" دور حاسم في تحديد هوية الرئيس الأميركي القادم! 
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد