لأول مرة.. الطب والتكنولوجيا يكسران حصار غزة بجراحة عابرة للحدود
غزة / رويترز / اخترق جهازا كومبيوتر لوحيان وكاميرتان متناهيتا الدقة حصارا مفروضا منذ عشر سنوات على قطاع غزة، حيث نقلت تقنية علمية جديدة لطاقم طبي في القطاع يد جراح لبناني وخبرته عبر الحدود ليستعين بها زميل له في غرفة عمليات تبعد مئات الكيلومترات.
ويشرح رئيس قسم جراحة الترميم في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور غسان أبو ستة التقنية بقوله: "المهم في هذه التكنولوجيا أنها قادرة على أن توفر في الاماكن ـ حيث لا مياه ولا كهرباء ـ الخبرات الطبية اللازمة عبر الانترنت والاقمار الاصطناعية".
واستخدمت تقنية بروكسيمي (Proximie) للمرة الاولى في لبنان والمنطقة في مطلع الاسبوع بإرشاد الطبيب حافظ أبو خوصة في غرفة عمليات بمستشفى العودة في قطاع غزة الى الخطوات الدقيقة التي يتعين عليه اتباعها في ترميم يد مريض تعاني من تشوه خلقي أدى الى قصر المسافة بين الابهام والسبابة وأفقدها القدرة على الامساك بالاشياء بطريقة صحيحة.
ومن غرفة اجتماعات عادية مكتظة بالمتفرجين في مستشفى الجامعة الاميركية رسم أبو ستة بقلمه على يد المريض البادية أمامه على شاشة الجهاز اللوحي الشق الذي يتعين على أبو خوصة إحداثه لإطالة المسافة بين الاصبعين من دون المس بأعصابهما، بينما كانا يتشاوران مباشرة حول عمق الشق الجراحي المطلوب وطريقة لَأم الجرح بعد الانتهاء من العملية.
وخلال العملية التي استغرقت نصف ساعة تقريبا كانت الجراحة الترميمية نادين حشاش حرم مبتكرة فكرة "بروكسيمي" ومهندس البرمجيات طلال علي أحمد الذي حولها الى حقيقة يواكبان التفاصيل وسير الخطوات تفاديا لاي انقطاع في التواصل بين الطرفين.
وشرحت حرم نشأة الفكرة بالقول "قبل عامين دعونا جراحين من العراق واليمن وسوريا لنعلمهم كيفية اجراء عمليات معينة وتطوير قدراتهم لكن لم يتمكن أحد من الحضور بسبب الاوضاع في المنطقة فشعرنا أن فرصة ثمينة قد ضاعت هباء ولم نتمكن من مساعدتهم".
وأضافت: "من هنا فكرنا في تقنية جديدة يمكن أن تفيد الجراحين وتملا هذه الفجوة في التواصل معهم فخرجت فكرة برنامج بروكسيمي فطورتها بالتعاون مع زميلي طلال وباتت الان مستخدمة في الاميركيتين وبريطانيا وفيتنام وها هي تطبق في الجامعة الاميركية لمساعدة غزة وان شاء الله تتطور لتستخدم في المنطقة بأكملها".
ومضت حرم في الحديث ب حماس عن التقنية العابرة للصراعات والحدود قائلة "ما يميز بروكسيمي أنها يمكن أن تستخدم في كثير من المجالات.. في الحرب والجراحات الميدانية وفي المستشفيات التي تعاني نقصا في الكادر الطبي وتحتاج لاراء استشارية ومع طلاب كليات الطب الذين سيتمكنون بفضلها من التعلم بشكل مباشر".
وأشارت الى أن منظمات دولية مثل أطباء بلا حدود والصليب الاحمر أبدت اهتمامها بهذه التقنية وتتفاوض مع المعنيين لبدء اعتمادها نظرا لما يحدث في المنطقة. ومن الناحية التقنية أكد أحمد أن ضعف الانترنت في أي منطقة لا يؤثر على الاطلاق على القدرة على التواصل اذ يمكن تعديل حجم الشاشة التي يظهر عليها مكان الجراحة ليتلاءم مع الظروف المتوفرة.
من جانبه، أوضح أبو ستة أن "أهمية هذا البرنامج هي في عدم اعتماده على أكثر من جهاز لوحي موجود في مستشفى المتلقي للاستشارة. وهذا يعني أننا في المستشفيات المتقدمة تقنيا يمكن أن نقدم للمستشفيات الميدانية أو المستشفيات الاخرى في مناطق الصراع.. حيث الانترنت ضعيف.. خبراتنا وأن ندعم الطواقم الجراحية التي تجد نفسها أمام عمليات لا خبرة لها بها".
وأشار الى أن أهميته مع قطاع غزة تحديدا في ظل الحصار المفروض عليه هو "توفير التواصل بين الاطباء في القطاع وزملائهم خارجه بسبب عدم قدرتهم على مغادرة منطقتهم وبالتالي فان جزءا من أهمية هذا البرنامج تكمن في تقديم الدعم من ناحية التواصل رغم الحصار الى أن تنتهي الازمة ويقدرون على التنقل ليمارسوا ما يقوم به أي طبيب وهو التطوير المستمر للقدرات الطبية."
وفرضت اسرائيل حصارا على قطاع غزة عام 2006 وجرى تشديده بعد أن سيطرت "حماس" على القطاع عام 2007.
ومن غزة قال أبو خوصة لـ"رويترز" عبر الهاتف "المشكلة عندنا تكمن في الافتقار الى الخبرات.
وعبر هذه التقنية بات يمكن مثلا ربط مستشفى الشفاء في غزة مع مستشفى جامعة النجاح في نابلس .. وممكن أن يقوم الجراح وهو في بيته بتوجيه الطاقم الطبي في غرفة العمليات."
وأضاف "ممكن أن تساهم هذه الطريقة أيضا في علاج بعض الحالات الصعبة الموجودة وحتى نبدأ في تعميمها يجب أن ندرب الطاقم الطبي بمشاركة أطباء من الخارج .. ليتم الاستعانة لاحقا بالخبراء في أي مكان للمساهمة في علاج هذه الحالات".
ومضى يقول "في الوضع الذي نعيشه في غزة يمكن أن تحل هذه التقنية جزءا من المشكلة التي نعانيها" في اشارة الى صعوبة مغادرة القطاع وحضور المؤتمرات والاطلاع على الجديد في عالم الطب.
ويعاني المجال الصحي في قطاع غزة مثل غيره من المجالات تدهورا كبيرا جراء الحصار وبعد حروب متتالية باتت الحاجة الى الخبرات والمهارات الخارجية أكثر الحاحا.
وقال عمر النصر المتحدث باسم وزارة الصحة ان الاجراءات الاسرائيلية تعوق عمليات التحويل الطبية التي تجري عبر منفد واحد من قطاع غزة. وأضاف: "بكل تأكيد قطاع غزة يخضع لحصار جائر يؤثر على كافة نواحي الحياة ومن ضمنها الوضع الصحي."
وسلط النصر الضوء على صعوبة خروج الاطباء من القطاع نظرا للحصار ، وقال "هناك صعوبة في تنظيم دورات الاطباء أو العاملين في القطاع الصحي خارج قطاع غزة".
وأضاف: "نجحنا في ارسال بعض الاطباء الى دورات ومؤتمرات علمية في الخارج لكنها قلة وعددهم غير كاف.
ربما تسهل هذه التقنية اجراء بعض الجراحات المعقدة فنحن بحاجة الى خبرات خارجية.. كما أنها مهمة في اكتساب الخبرات سواء من الاطباء العرب أوالاجانب حتى نستطيع التخفيف جزئيا عن المرضى خاصة في قطاع غزة".
ويعاني كثير من سكان غزة من اصابات تحتاج الى متابعة أو ترميم جراء الحروب المتتالية التي شهدها القطاع.
وربما لا تستطيع التقنية الطبية الجديدة أن تذلل كل المصاعب أو تلين مواقف حكومات وجيوش في مناطق النزاع والحصار، لكنها قد تكون الملاذ الاخير في ظروف مستحيلة ليتحايل الاطباء لإنقاذ جريح أو مريض بمشرط جراحي يمسك به زميل لهم في مكان ما من العالم ليخط على جهاز لوحي رسما قد يمنح الكثيرين حياة جديدة.