لم يعد يكترث الناس في قطاع غزة باستثناء قيادة حركة حماس ورئيس الحكومة رامي الحمد لله وعدد قليل من رجال الأعمال بعدد الجولات المكوكية الخاطفة أحيانا والطويلة أحياناً أخرى التي يقوم بها السفير القطري محمد العمادي بين تل أبيب، رام الله ، غزة. ويلتقي المسؤولين من الأطراف الثلاثة وربما زيارات بيتية وطعام وشراب تعبر عن عمق العلاقة.

وباتت تربطه علاقة شخصية قوية ببعضهم تخطت دوره ومهمته كوسيط لدولة قطر التي تربطها بإسرائيل علاقة مميزة، وما يقوم به من عمل المفترض أنه سياسي بطابع إنساني لتحسين شروط حياة الناس وليس رفع الحصار.

من يلتقي السفير العمادي ومن يستمع إلى تصريحاته الصحافية يشعر أن الرجل ليس ضيفاً عزيزاً فقط، إنما صاحب بيت في المناطق الثلاثة التي يحل فيها خاصة في غزة، وهو الآمر الناهي والعاطي ومخلص القطاع من أزماته المستعصية، بدءً من حل أزمة الكهرباء والمياه والإعمار وليس انتهاء بتزويج الشباب والصبايا وإنهاء الانقسام وربما إطالة أمده كالتهدئة التي يسعى إليها.

ما يقال عنه وما يقوله في اللقاءات الخاصة ليس كما يقوله في الاجتماعات العامة وطريقة تعامله وحركة الجسد والتي لا تخلو من إظهار نفسه كزعيم لغزة وافتخار واعتداد بنفسه وعلاقته بالمسؤولين الإسرائيليين، وإيماءاته بتحميل المسؤولية للسلطة الفلسطينية عن استمرار الحصار وقدرته على تفكيك الأزمات، وتبرئة الاحتلال من ذلك وتذليل العقبات والمشاريع التي تنفذها قطر في القطاع.

منذ سنوات والقطاع يعيش وضع كارثي، وجميع الأطراف وفي مقدمتها إسرائيل تحذر من انفجار الوضع، وانفجار الوضع في لغة ومفهوم أطراف الصراع، الضحية والجلاد، هو التوجه نحو التصعيد العسكري ولا حلول أخرى جماعية وطنية، والمحزن هو مساواة الضحية بالجلاد، نحن الضحية نحذر وتحذيراتنا وكأننا من سيقود المعركة نحو النصر، واننا نمتلك ترسانة أسلحة توازي وتقوق ترسانة دولة القتل المدججة بسفك الدماء والكراهية.

يوم عن الآخر تزداد التحذيرات وتزداد المأساة ويتعمق البؤس والشقاء والحصار، والقول أن استمرار الوضع بهذه الطريقة لم يعد ممكناً، ومتى كان الوضع في القطاع ممكناً؟ أو يقال إن استمرار الحصار سيقود لمواجهة جديدة! وهل توقفت غزة يوماً عن المواجهة؟ مواجهة الحرب والرعب والقتل والبطالة والفقر والمرض والجهل والفساد وغياب الحريات والحقوق والكرامة والعدالة الاجتماعية وانحطاط الحال.

وأصبح الصبر محال، وتكون المصيبة مركبة عندما تخرج التحذيرات بوجود العمادي في غزة وهو من يروج أن العمل مستمر على تهدئة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل، وأن هناك تقدم في إنجاز المشاريع التي تنفذها دولته وبموافقة إسرائيلية لكن وبناء على تسهيلات وحسن نوايا إسرائيل.

على إثر اكتشاف النفق، نتانياهو ويعالون وضباط كبار في الجيش طمأنوا المستوطنين أن لا جولة تصعيد قادمة، وان حماس غير معنية بالتصعيد. لم ندرك بعد ذواتنا وحقيقة من الذي سيطمأن الناس ويهدئ من روعهم وخوفهم وعدم قدرتهم واستعدادهم على تحمل المزيد من القتل والصدمات النفسية. في غياب المسؤولين وطمأنتهم للناس. ربما السفير العمادي هو من يطمانهم من خلال وجوده في غزة ووساطته بين غزة والسلطة واسرائيل!

حتى اللحظة لم يشعر الناس بتغيير حقيقي، وكل ما تم تنفيذه من مشاريع وتحسينات هو في الحد الأدنى، من يشعر بالتغيير هي النخبة السياسية والشريحة الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها التي تزيد من مدخلاتها المالية من مشاريعها التي تنفذها.

يخاف الناس عند سماعهم التحذيرات وقرع طبول الحرب وكأن الحلول هي بصوت المعارك، خوفهم ليس لأنهم جبناء، إنما خوف على المقاومة وعدم قدرتها في ظل غياب موازين القوى والتردي العربي المستمر، فرفع الصوت بقداسة المقاومة على حساب كرامة الإنسان ليست بالتهديد والذهاب بين الفترة والأخرى بمعارك قد تؤجل لاستكمال البناء الداخل وتعزيز صمود الناس واحترام حقوقهم. فمن المهم تشجيع النقاش ليس حول مكانة المقاومة فقط، فهي بالنسبة للفلسطينيين قدس الأقداس وطهارة السلاح مقدم على حياتهم. فالنقاش حول قدراتهم وهم يعيشون أوضاع كارثية ومنقسمين، وكل مرة يعودوا للبدء من جديد ويعانوا الانكسار وخيبات الأمل. هذا يعمق الفهم ويوسع النقاش العلني بشكل عملي من دون خوف وحسابات حزبية وسياسية تخدم رؤى فئوية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد