غزة: مؤسسات المجتمع المدني تئن تحت وطأة شح التمويل
غزة / سوا / شكلت المؤسسات والجمعيات ومؤسسات المجتمع الاهلي والمدني منذ بدء انتفاضة الاقصى قبل 16 عاماً ملاذاً لفقراء قطاع غزة للحصول على جزء يسير من احتياجاتهم الاساسية من مأكل ومشرب.
وفي المقابل لم تكن تلك المؤسسات تواجه صعوبات تقريباً في الحصول على الدعم كون فلسطين البلد الوحيد الذي كان يعاني من اوضاعاً اقتصادية ومادية وسياسية وأمنية قاسية جراء سياسات الاحتلال العدوانية.
الثورات العربية تضعف الجمعيات
ويقر العديد من القائمين على هذه المؤسسات بأن اندلاع الثورات العربية منذ خمس سنوات و ما تبعه من حروب وصراعات إقليمية واضطرابات سياسية انعكست سلباً على الجمعيات بحيث لم تعد الغالبية العظمى منها- والتي يتجاوز عددها في قطاع غزة ألف مؤسسة ما بين جمعية وشركة غير ربحية- قادرة على الحصول على الدعم الكافي لتشغيلها أو حتى دفع بدل إيجار مقراتها.
والاخطر في ذلك ان مع تقلص عمل الجمعيات ازدادت شريحة الفقراء والمحتاجين وهو ما تسبب في ارهاق القائمين على الجمعيات، كما يقول عبد الجواد هارون رئيس مجلس ادارة احدى الجمعيات التي تعمل في قطاع التأهيل الاهلي ودعم الفقراء.
وعكس خلو جمعيته من الكثير من موظفيها السابقين الوضع الاقتصادي والمادي الصعب الذي تعاني منه الجمعية التي تعمل منذ 15 سنة.
ويقول لصحيفة الأيام المحلية إن الدعم التي تحصل عليه الجمعية من الخارج منذ خمس سنوات يكاد يكون صفراً باستثناء مشاريع صغيرة ومحدودة جداً تحصل عليها الجمعية بشكل موسمي وخصوصاً في شهر رمضان .
الاستغناء عن طواقم عاملة
وأوضح جودة أن هذا الوضع دفع الجمعية الى الاستغناء عن الطاقم والكادر العامل بشكل شبه كامل باستثناء عدد محدود جداً من العاملين، متوقعاً ان يستغني عنهم خلال الفترة القريبة القادمة اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الان.
واشار الى ان الجمعية اعتادت ما قبل ثورة الربيع العربي على تنفيذ اكثر من سبعة مشاريع تنموية واغاثية في العام ولكن الان اصبح من الصعب جداً الحصول على مشروع واحد في العام.
ويحذر جودة من مخاطر استمرار تراجع وشح التمويل العربي لمؤسسات المجتمع المدني والتي تقوم بدور مهم منذ الانقسام في توفير المساعدات الضرورية لشريحة واسعة من الفقراء الذين تتزايد اعدادهم بشكل مضطر يوماً بعد يوم.
الأولوية لسورية واليمن
ويعتبر المانحون العرب وخصوصاً الخليجيون ان الاولوية في ضخ التمويل في الوقت الحالي لسورية واليمن كما يقول مسؤول في احد المؤسسات المانحة في الكويت لـ"الايام".
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه ان الوضع في سورياً كارثي واكثر سوءاً من فلسطين، ولذلك اصبحت الاولوية في التعامل مع اللاجئين والمواطنين السوريين سواء في سوريا او خارجها وكذلك الامر بالنسبة لليمن.
وقال المسؤول ذاته ان مؤسسته والتي تملك عشرات المكاتب في العالم وجهت معظم دعمها الى هاتين المنطقتين، وهذا يأتي على حساب العديد من المناطق الاخرى وابرزها فلسطين.
فيما يعتبر المدير التنفيذي لجمعية الوفاق للاغاثة والتنمية سالم الشيخ أن اهمال فلسطين وتحديداً قطاع غزة من الكثير من المؤسسات المانحة سواء العربية او الدولية امر في غاية الخطورة والقسوة على سكان قطاع غزة الذين يعانون من الفقر المدقع والبطالة المتفشية.
وقال الشيخ لـ"الايام" إن وجود شعوب محتاجة في مناطق اخرى في العالم العربي لا يبرر تخفيض الدعم الممنوح لفلسطين بهذا الحجم، داعياً المؤسسات العربية وتحديداً الخليجية المانحة الى قراءة والاطلاع على مضمون التقارير الدولية والاجنبية التي تصدر بشكل شبه شهري حول الاوضاع الاقتصادية والمادية لسكان فلسطين وخصوصاً قطاع غزة والتي تعتبر صادمة بكل المقاييس والمعايير.
واضاف الشيخ ان شح الدعم تسبب في مشاكل كبيرة للجمعيات لعدم قدرتها على تلبية مطالب واحتياجات جزء بسيط من جمهورها الذي اعتاد في حياته على ما تقدمه المؤسسات من مساعدات سواء اغاثية او تنموية او علاجية.
تحذير من أغلاق معظم الجمعيات
وحذر من اغلاق الكثير من الجمعيات والمؤسسات اذا ما استمر هذا التراجع والذي اثر ايضاً على العاملين بسبب الاستغناء عن عدد كبير منهم واجبار اخرين على التطوع.
في حين يرى الدكتور سلامة ابو زعيتر الخبير في عمل مؤسسات المجتمع المدني ان المؤسسات تعاني اوضاعاً قاسية ستؤثر سلباً على حظوظها بالاستمرار.
واضاف ابو زعيتر في حديث لـ"الايام" ان الخطورة لا تكمن فقط في بقاء او فناء بعض الجمعيات ولكن ايضاً على الشريحة الواسعة التي تستفيد من هذه المؤسسات والتي تتجاوز نسبتها نصف المجتمع.
وقال ابو زعيتر ان الجمعيات تبقى ادوات لتقديم الخدمات وتبقى شريحة الفقراء الاكثر تضرراً، مؤكداً انه يقع على عاتق المؤسسات الرسمية والجميع مسؤولية اقناع المسؤولين والمانحين بضرورة عودة الدعم الى ما كان عليه قبل الربيع العربي.
الحصار الاسرائيلي
واكد ابو زعيتر ان فلسطين وتحديداً قطاع غزة له خصوصية بسبب الحصار الاسرائيلي المتواصل والاعداد الهائلة من العمال المتعطلين عن العمل والعوائل الفقيرة، مبيناً ان العمال هم الاكثر تضرراً من تراجع وشح التمويل.
وقال ابو زعيتر لـ"الايام" ان اعداد العمال المتضررين من الحصار وتراجع الدعم زادت عن اكثر من ربع مليون عامل هم بأمس الحاجة الى تجدد الدعم.
فيما يرى مدير مؤسسة ملتقى النجد التنموي خالد ابو شرخ أن أوضاع الفقراء في القطاع ستزداد سوءاً وتأزماً خلال الاسابيع القليلة القادمة اذا ما استمر تراجع وشح الموارد المالية للمؤسسات العاملة.
وقال أبو شرخ لـ"الأيام": إن حاجة الفقراء تزداد بشكل مضطرد خلال شهر رمضان والاعياد وموسم المدارس في حين تواجه الجمعيات صعوبات بالغة في توفير الحد الادنى من هذه الاحتياجات.
واستهجن أبو شرخ استمرار تجاهل الكثير من المؤسسات المانحة للأوضاع الاقتصادية والمادية القاسية لسكان القطاع والتي تتحدث عنه المؤسسات الدولية بشكل دوري ومهني.
وقال إن مؤسسته اصبحت تجد صعوبة منذ سنوات في اقناع جمهورها المحتاج بعدم قدرتها على توفير المساعدات لهم سيما واتهم اعتادوا خلال سنوات طويلة سبقت احداث الربيع العربي على تلقي المساعدات بشكل دوري ومنتظم.
واقترح ابو شرخ تشكيل لجنة وطنية عليا تعمل على اعادة الدعم لقطاع المؤسسات الاهلية في القطاع والذي اصبح مهدداً اذا ما استمر حجب المشاريع المهمة والفاعلة والمؤثرة.
وقال ان العمل اصبح يقتصر على عدد محدود من المؤسسات التي تتواصل وتعمل مع مؤسسات اممية واجنبية وبعض المؤسسات العربية ولكن بطاقة اقل بكثير عما كانت تعمل به قبل احداث الربيع العربي.