كل ما كان قد قيل قبل فترة عن وجود خلاف أو برود في العلاقة بين مصر والسعودية , بسبب الموقف من طرفي الحرب في سوريا , او بسبب عدم التدخل العسكري المصري المباشر في اليمن , تبدد ادراج الرياح خلال وبعد زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخية , بكل معنى الكلمة , للقاهرة .
فالزيارة لم تكن بروتوكولية أو عادية , ولا مجرد رحلة أستجمام ملكية , ولم تكن حتى مجرد زيارة للتفاهم أو الاتفاق بين رأسي الدولتين الأهم والأكبر بين الدول العربية , حول موقف سياسي او من اجل اتخاذ قرار سياسي هام , بل كانت زيارة استراتيجية بكل معنى الكلمة , نظرا لما تخللها من اتفاقات اقتصادية ومن أعلان مزدوج سياسي / أمني _ أقتصادي , خاص بأقامة جسر يربط بر الدولتين اللتين يفصل بينهما البحر الأحمر , بطوله وعرضه , من أسفل مثلث خليج العقبة الشمالي _ العقبة / أيلات / طابا , الى ما يمكن القول به تجاوزا , الى حد الدخول بباب المندب .
اقامة الجسر تعني كثيرا للبلدين وللعرب عموما , فهي تقول بملء الفم بأن السعودية ذات الثقل الأقتصادي في المنطقة أختارت مصر كاولوية لأستثمارتها , في كافة المجالات , وانها فتحت الأبواب على مصراعيها امام العمالة المصرية , والسياحة السعودية الى مصر بالوقت نفسه , حيث بات يكفي مواطني البلدين ان يقوموا بتشغيل سياراتهم حتى يصبح احدهم في البلد الآخر .
تحتاج مصر الى استثمار أقتصادي حتى تنطلق كالمارد العملاق , وتعيد الأعتبار لمكانتها الأقليمية والدولية , التي اهتزت خلال العقود الماضية , وبعد مشروع توسيع قناة السويس واستنفار المغتربين المصريين , ها هي جملة العقود التي أبرمت خلال زيارة العاهل السعودي تمنح الإقتصاد المصري حقنة دعم اضافي , فيما السعودية تحتاج الى اسناد لتعيد مكانتها كدولة محورية في المنطقة , بعد ان « تحررت « أسرائيل من العزلة الأقليمة المحكمة , وفتحت لها عدة نوافذ عربية وأقليمية , وبعد ان تعاظم نفوذ أيران حتى وصل لحدود اليمن , فيما تسللت تركيا أيضا من داخل الشقوق العربية لتصل الى اكثر من مكان , وعبر أكثر من اداة , ليست فقط الدراما وحسب .
ومصر أيضا تحتاج الى هدوء امني , يوفر لإقتصادها فرصة النمو والتعاظم , لذا التقت الدولتان في اعلان اقامة جسر الملك سلمان لتدشنا عمليا المحور الرابع في المنطقة , والذي هو اولى من غيره , من أسرائيليين وفرس وترك , بزعامة العرب .
وفي الحقيقة فانه لا يمكن الأستهانة بجمع دولتين بحجم مصر والسعودية في المنطقة , ليس فقط ارتباطا بالماضي والمكانة القومية والدينية والتاريخية وحسب , فقد ادركت الدولتان بانه في عالم متغير للغاية , لم يعد يكفي النوم على حرير الماضي والتغني بما كان , وان لغة اليوم هي القوة الأقتصادية الفاعلة والمتغيرة , أضافة للقوة العسكرية , وجمع قوتي الدولتين الأقتصادية عبر المشاريع المشتركة , وجمع قوتي الدولتين العسكرية عبر تحالف عسكري / عربي يعني الوقوف بثقة في وجه قوى المثلث المجاور _ أسرائيل / أيران / تركيا _ العسكرية والأقتصادية , ويعني بأن السعودية قد ردت على التقارب الأميركي / الأيراني من جهة وعلى التقارب التركي / الأسرائيلي من جهة ثانية .
أبرز ردود الفعل على هذا التحالف الذي يصل الى حدود التلاصق بين الدولتين , جاء من تل أبيب التي رأت فيه اعلانا للحرب !
ومن المؤكد ان طهران وانقرة لا تنظران بعين الرضا لهذا التحالف المصري / السعودي , حيث ان جسر الملك سلمان سيكون بمثابة حبل سري لولادة عربية جديدة , لكن القصة عند اسرائيل مختلفة من حيث هي مباشرة , ذلك ان مصر والسعودية قد أعلنتا عن الأتفاق فيما بينهما على ما كان « يعتبر « خلافا حول جزيرتي تيران وصنافير , حيث اعلنت مصر انهما تقعان في المياه الأقليمية السعودية , وهذا يعني بصريح العبارة , انهما لم تعودا خاضعتين لنص اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وأسرائيل , والذي قال بحرية الملاحة عبر مضيق تيران .
ومضيق تيران ينطوي في الذاكرة على فتيل أشعل حرب العام 67 , حين امر الرئيس جمال عبد الناصر في ايار من ذلك العام قوات الطوارىء الدولية بمغادرة المنطقة , واغلق المضيق في وجه الملاحة الأسرائيلية , فردت أسرائيل بشن حرب 67 ومن ثم احتلال سيناء والجزيرتين , وكل من الضفة و غزة والجولان !
السعودية التي يقال بان عاهلها الراحل الملك عبد العزيز كان طلب من مصر عام 1950 التواجد العسكري في الجزيرتين , تشعر اليوم بانها قوة عسكرية بمقدورها حماية اراضيها , بعد ان خاضت بنجاح حرب اليمن ضد الحوثي وصالح , وجزيرة تيران بالذات تتحكم بخليج العقبة تماما , وهو الخليج الوحيد الذي تطلع عليه أسرائيل عبر أيلات , بعد ان خرجت من سيناء , وبالتالي فان وصولها للقارة السوداء وحتى لجنوب وشرق آسيا , بات بقبضة التحكم السعودية , ولم يعد لأتفاقات كامب ديفيد من سلطة على المملكة التي لم تكن طرفا _ على عكس مصر _ في تلك الأتفاقية .
امتدت اذا زيارة الملك سلمان للقاهرة لتشمل حقول الأقتصاد والسياسة والأمن , فمضيق تيران , يعني بان الدخول للمندب بات بقبضة السعودية , الدولة المتحررة من أتفاقات كامب ديفيد , ويعني بأن الوصول حتى لسيناء من تلك المنطقة , من قبل عناصر متطرفة تجيء من شمال غرب آسيا أو حتى من بلاد الأناضول او الرافدين والشام , سيكون اصعب عليها الوصول لسيناء لانها ستمر بحواجز دولتين وليس دولة واحدة , وهكذا تكون مصر قد حققت مكسبا امنيا أضافة للمكاسب الأقتصادية والسياسية .
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية