خلال لقاء مفتوح وصريح، بعيد عن وسائل الإعلام، قدم الدكتور محمود الزهار، شرحاً مستفيضاً لتفاصيل اللقاءات التي أجراها وفد حركة حماس في القاهرة، وفي الدوحة ـ اللقاءات المغلقة مع الدكتور الزهار بشكل خاص لها نكهة مختلفة، ذلك أن الرجل صريح ومباشر، وعلى ما يدلي به، يمكن للمرء أن يقدم تحليلاً معقولاً، يستند إلى حقائق، ومع أن أصول العمل السياسي تعطي للمستويات المسؤولة الحق في الاحتفاظ ببعض القضايا طي الكتمان خصوصاً حين يتعلق الامر بقضايا امنية وعسكرية، الا ان المشهد العام الذي قدمه الدكتور الزهار، لا ينطوي على تفاؤل قريب إزاء ملف المصالحة، وملف الأزمات التي يعاني منها سكان القطاع.
الدكتور الزهار أكد في حديثه، ما سبق للكثيرين أن أشاروا إليه وهو أن ثمة عقدة كبيرة تحول دون تحقيق المصالحة وهي تلك التي تتصل بالاختلاف الجذري بين البرامج السياسية.
توافق حماس على تشكيل حكومة وحدة وطنية لكنها ترفض أن تكون وفق برنامج منظمة التحرير الفلسطينية وهو ما تصر عليه حركة فتح.
لا تتوقف العقبات أمام المصالحة على الخلاف السياسي فمن وجهة نظرنا ثمة قضايا أخرى، تتصل بما راكمته سنوات الانقسام من وقائع يصعب تجاوزها، أو استيعابها كما يصعب تجاهلها أو تأجيل الاتفاق عليها.
هكذا يصبح أمر المصالحة، واستعادة الوحدة المؤسساتية مفتوحا على الزمن، ومرتبطا بتغييرات جذرية، من غير المتوقع أن تحدث قريباً.
وطالما أن واقع الانقسام مفتوح على الزمن فإن ثمة تنافسا على خلق المزيد من الوقائع، التي تجعل أمر المصالحة صعباً إلى حد كبير، من بين ابرز هذه الوقائع التي يتسابق الطرفان على خلقها، التشريع، واصدار القوانين او القرارات بقوة القانون.
المشكلة أن الكل يتحدث عن القانون الاساسي، ويخوض معاركه القانونية مع الآخر، استناداً إلى القانون الأساسي، غير أن الواقع على الأرض وبالملموس يشير إلى أن هذا القانون كان ولا يزال الضحية الأولى للانقسام، وان استدعاءه حين الضرورة لا يفيد في شيء.
تماماً كما هي الحال حين يجري الحديث عن الشرعيات، فكل ينزع الشرعية عن الآخر، والحال أن هذه الشرعيات قد انتهت منذ زمن، ولا يفيد في التبرير لنزع الشرعية عن الآخر، استدعاء أي من القرارات، أو القوانين السابقة.
المجلس التشريعي شرعي بقوة الانقسام، والأمر الواقع، والرئيس شرعي أيضاً بقوة الانقسام والأمر الواقع، والحال تمتد إلى المجلس الوطني الفلسطيني والمؤسسات المنبثقة عنه.
التشريعي يصدر سبعة وخمسين قانوناً، وحتى لو تجاوزنا ان المقصود بالتشريعي هو كتلة حماس، فإن هذه القوانين، لن تطبق الا على قطاع غزة ، والاهم هو انها تصدر بناء لثقافة فقهية يعكس ثقافة والتزام الكتلة البرلمانية التي تصدرها.
وعلى الجانب الآخر، يصدر الرئيس قرارات بقوة القانون تجاوز عددها المئة والعشرين قراراً، تعكس بدورها الثقافة التي يعبر عنها الرئيس، والأرجح أن جزءاً كبيراً منها لا يطبق في قطاع غزة.
ثمة استسهال في إصدار القوانين التي تجاوز عددها، القوانين التي اصدرها المجلس التشريعي الأول، خلال فترة السنوات العشر للمجلس الأول والثاني.
على أن المشكلة الأبرز في هذا السياق هي أن هذه التشريعات، والقوانين، تتم في بيئة سياسية يفترض أنها متغيرة، ذلك أن السؤال هو هل ستكون هذه القوانين صالحة لمرحلة الدولة أم لشروط السلطة؟ ويلفت النظر أن الكثير من هذه القوانين والقرارات بقوة القانون، تصدر على استعجال، ما يجعلها تخضع لمناقشات واعتراضات، قوية من قبل الفئات والأطراف المجتمعية التي يفترض أنها موضوع القانون وهدفه.
آخر ما صدر من قرارات بقوة القانون، هو قانون المحكمة الدستورية وقد استمعنا إلى اعتراضات ذات طبيعة قانونية من قبل المختصين وخبراء القانون، الذين لا علاقة لهم بالانقسام أو بالانحيازات السياسية، فضلاً عن اعتراض من قبل القوى السياسية.
ثمة شكوك كبيرة يغذيها واقع الانقسام، بشأن خلفيات إصدار هذا القانون وأهدافه، وما سيتبع ذلك، خاصة وان المحكمة العليا، بإمكانها أن تقوم مقام المحكمة الدستورية التي لا سبب اضطراريا لتشكيلها.
بعض القوى تتخوف من أن هذه المحكمة بحكم صلاحياتها، قد تبادر إلى حل التشريعي المعطل أصلاً، أو نزع الشرعية عن بعض فصائل العمل السياسي. قبل ذلك كان قانون الشركات الذي يلزم منظمات المجتمع المدني ومنها منظمات حقوق الإنسان بالحصول على إذن مسبق من الحكومة فيما يتعلق بمصادر تمويلها، وقد أدى ذلك إلى تعطيل عمل وبرامج بعض هذه المنظمات، التي تحظى بمسؤولية كبيرة إزاء تحضير ومتابعة الملفات الخاصة بالجنائية الدولية.
ودون أن نمر على بقية القوانين فإن قانون الضمان الاجتماعي هو الآخر، تعرض لانتقادات واحتجاجات واسعة من قبل الفئات المعنية بالالتزام ذلك أن هذا القانون مواز لقانون التقاعد بالنسبة للموظفين العموميين، وهو ينطبق على موظفي القطاع الخاص. الحقيقة أن الاعتراضات والجدل حول كل هذه القوانين تشير إلى خلل في الآليات المتبعة لإصدار القانون، وتشير أيضاً إلى فقه قانوني، يعمق أزمة الثقة بين السلطات التنفيذية والفئات الشعبية الواسعة التي يقع عليها القانون.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية