ثمانية أعوام مضت، حملت معها ألم الفراق، وفاجعة الغياب السرمدي، يوم أن اغتالت قذيفة الدبابة الإسرائيلية عن سبق اصرار وترصد شاهد الحقيقة فضل شناعة، الذي كان يلبس زيه الصحفي التقليدي ويحمل كاميرا وكالة "رويترز" بجوار سيارته التي تحمل شعار الصحافة، كان يقف في مكانٍ لا يسبب أي خطورة للدبابة الإسرائيلية، ثم صدر قرار الاغتيال وجرى تنفيذه على الفور، وسالت الدماء البريئة الطاهرة على الأرض التي أحبها فضل شناعة، فطالما رصدت عدسات كاميرات فضل كل الفظائع والجرائم التي اقترفتها قوات الاحتلال بحق أهلنا في قطاع غزة ، ولم تكن حادثة استشهاده أول مواجهة له مع بطش المحتلين، فقد تعرض لأذاهم قبلها، لكنه واصل بثبات معركته من أجل نقل الحقيقة للدنيا كلها، ثم كان له أن يلتحق بقافلة الخالدين، ويسجل اسمه بحروف من نور مع أولئك الذين دفعوا أرواحهم ثمن رسالتهم المقدسة في تحريك الضمير الإنساني تجاه العدالة المفقودة في الحالة الفلسطينية التي تكافح من أجل حق الإنسان في الحياة والحرية، وحقه الثابت في تقرير مصيره مهما كانت التضحيات.
"فضل" الذي كان دائم الابتسام، يحمل مع ثغره الضاحك دوماً استهزاءً بكل ما يعنيه الخوف في قلوب أقرانه، كان مثالاً للتحدي الذي مثّله الفلسطيني على الدوام في مواجهة بطش الاحتلال، كان يشعّ حماس اً وشباباً وقوة، رأيت فيه قدرتي الدائمة على المواجهة، ومنحته كل ما لدي في عالم الصورة الصحفية، كان يتقدم بسرعة ويتطور بصورة هائلة، مع مسحة حزنٍ لا تخفى على ذي بصيرة، واصرارٍ عجيب على المواجهة والذهاب بعيداً في محاولة نقل الحقيقة رغم ارتفاع درجة المخاطرة في كل مرة، ليكون قدره أن يُحمل على أكتاف الرجال في مشهدٍ لن يمحى من ذاكرة أهله وأصدقائه ورفاقه في مهنة البحث عن المتاعب. جريمة "إعدام فضل" لم يُغلق ملفها بعد، ولم يُسدل الستار عليها، ولن يُسدل، هي جريمة مكتملة الأركان، الذي ينقصها هو تحقيق العدالة والزج بالقاتل في سجن يليق بالقتلة، وهو أمرٌ كان يتطلب حضوراً فلسطينياً في المحافل المعنية بحرية الرأي والتعبير وتلك المتعلقة بحقوق الصحفيين وسلامتهم أثناء أداء مهامهم، وتستحق من الجهات الحكومية الفلسطينية أن تتوقف عندها، فجريمة القتل لا تسقط بالتقادم، وتستحق كذلك مواقف دائمة وليست موسمية من نقابة الصحفيين، التي يتوجب عليها أن تواصل مخاطبتها لكل الأطراف من أجل تحقيق العدالة في قضية فضل، والعتب والإدانة لموقف "رويترز" التي ما تزال تضع الجيب الذي أُغتيل فضل بجواره في مكانٍ خاصٍ يوثق الجريمة، وفي مقابل ذلك لم تحرك ساكناً نحو مأساة اغتيال فضل، فلا محاكم عُقدت ولا لجان تعويض تشكّلت ولا حتى بيانات رسمية باسم الوكالة صدرت، اكتفت الوكالة بالحضور في تأبين فضل الأول، ووضعت له صورة بجوار صور شهداء الحقيقة، واكتفت بنقد السلوك الإسرائيلي في التعامل مع صحفييها، والسؤال الان ماذا لو كان صحفي إسرائيلي وقتل برصاص فلسطيني على الجهة الأخرى من الحدود؟، هل كانت "رويترز" ستكتفي بالشجب والإدانة وينتهى الأمر عند هذا الحد؟، أظن أن الوكالة كانت ستضطر سنوياً إلى إنفاق الملايين من أجل تخفيف حدة الانتقاد الموجه لها من الأوساط اليهودية المؤثرة في أوروبا وفي مقر الوكالة في لندن، فهل هذه هي قيمة الصحفي الفلسطيني من وجهة نظر الوكالة التي تصنف نفسها كموضوعية ومحايدة في ملفات الصراع؟!! في ذكرى استشهاد الابن والحبيب فارس الصورة "فضل شناعة" نواصل الصراخ بأن عيوننا لن تغفو عن القاتل، وأن معركة الوصول إلى العدالة من أجل "فضل" وغيره من شهداء الحقيقة الأبرياء ستستمر، وأن تخاذل الجهات المعنية مباشرة بمتابعة ملف الجريمة لن يمنعنا من مواصلة البحث عن الطريق المشروع لمحاسبة القتلة، ويبقى زوال الاحتلال بمثابة أفضل تعويض لأسر الشهداء الذين يتذكرون يومياً مشاهد الجريمة طيلة استمرار وجود هذا الاحتلال الذي زرع له في كل بيت فلسطيني ضحية تناشد العالم كله أن يقف ولو لمرة واحدة مع ضميره ويحسم أمره تجاه آخر منظومة قهر في كوكبنا، منظومة ظالمة وقاتلة تسمى "إسرائيل".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية