في مطار بروكسل الوضع ليس على ما يرام .. كثير من الصمت وقليل من صخب الطائرات ... كثير من الوجوه العابسة التي تمر وسط جنود في حالة تأهب، أو بمعنى آخر عسكرة المطار ... هذا ليس مطار بروكسل الذي كنت فيه في تشرين الثاني الماضي، صحيح أنه نفس الفضاء والمكان، ولكن هناك الكثير من التغيير النفسي على المكان.
مطار بروكسل الهادئ، الذي كان أفضل تعبير عن روح الدمج الإنسانية، لا يفرق بين دين ودين أو عرق وعرق ..القانون هو سيد الموقف ..هو مصاب بجرح عميق.
في بروكسل ومطارها كان يوجد الكثير من العرب، بحيث تسمع اللغة العربية في كل مكان، ولكن الحضور الإسلامي كان أكثر بكثير .. وهذا دليل على مدى تسامح المدينة وأهلها تجاه المهاجرين أو المهجرين الذين تركوا بلادهم هرباً، إما من ظلم الحكام أو من سوء الأوضاع الاقتصادية ...ولكن هل ستنتصر حالة التسامح على السيف؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
بعكس عالمنا العربي، أو ما يطلق عليه العالم الثالث، فان سنوات قليلة للعيش هنا تحت القانون تعطيك الحق في اكتساب الجنسية والمواطنة .. وطبعاً هذا لا يقارن مع بلدان عربية تعيش فيها 60 عاماً .. ولكنك تظل غريباً .. ليس لك من حقوق سوى منة بأنهم يسمحون لك بالعمل والإقامة كغريب !!
في بروكسل خرج دواعش نهاية التاريخ .. ليحاولوا قتل البناء الإنساني في هذه المدينة، ولإثارة العنصرية، او ليرسلوا رسالة عنوانها الدم المسفوح باسم الإسلام .
 في بلجيكا الآمنة يطرح سؤال كبير، لماذا هذا القتل غير المبرر سوى شهية العنف والاعتقاد الجنوني بأن قتل الأطفال والآمنين في المطارات أو وسائل المواصلات سيعمل على تغيير العالم وربما أسلمته .. ولكن النتائج عكس ذلك .. هو التضييق على حياة الناس ..وترسيخ الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين .. والعرب أيضا .. بأنهم مجموعات إرهابية وقتلة.
نحن الذين درسنا الإسلام وكنا نجادل بالرسالة الإنسانية لهذا الدين ابتداءً من "باسم الله الرحمن الرحيم" .. وليس انتهاء يـ "لا إكراه في الدين" .. رسالة محبة وإنسانية وتعاون، وليس رسالة جز الرقاب وإشعال نار الحروب. أيضاً نسأل من نظم هؤلاء الدواعش .. ومن له مصلحة بتشويه ما تبقى من صورة للعرب والمسلمين عند الشعوب الأوروبية .. 
داعش عدو الحضارة والتراث الجميل والمفاهيم الإنسانية بما فيها العيش المشترك ..تسبب في إعادة المسلمين والعرب الى 0 100 سنة، وكأننا مجموعات من الرعاع الشهوانيين. 
تفجيرات بروكسل لن تضيف إلا ما يرغب فيه أعداء العرب والمسلمين، ونحمد الله أن هؤلاء الدواعش ليس لهم علاقة بقضيتنا الفلسطينية .. بل إنها لا تعتبر ذات أولوية لهم، بعكس تيارات متطرفة ظهرت سابقاً وحاولت امتطاء ظهر القضية الفلسطينية، ولكنها فشلت بعدما علم الناس أهداف تلك التيارات، وسرعان ما اقتنعت أن الطريق إلى فلسطين لا تمر عبر أفغانستان أو أحداث الحادي عشر من سبتمبر ...بل إن الطريق الحقيقية إلى فلسطين هي التي تتمثل في تجميع أكبر عدد من الأصدقاء في هذا العالم، كي نجد آلية ضغط حقيقية على الاحتلال الهمجي الذي يسير في تطرفه على درب داعش، ابتداءً من فتاوى الموت التي يطلقها حاخامات كبار وليس انتهاء بتمجيد جريمة اغتيال لجريح أمام عدسات الكاميرات.
بعد تفجيرات بلجيكا حان الوقت لأن ترتفع أصوات الغالبية المطلقة من شرفاء العرب والمسلمين، مطالبةً بعلاج شافٍ من التطرف الديني والأيديولوجي الذي بدأ ينخر مجتمعاتنا بلا رحمة، ويهدد وجودها.
بروكسل ستخرج من جراحها وألمها خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، ولكن متى نتمكن نحن من نزع مصيرنا من يد مجموعات لا ترحم بل تنحر باسم الدين الذي هو براء منها، وتفتت مجمعاتنا وتدمر كل القيم الحضارية لنا .. لم يفت الأوان بعد لوحدة جماهيرية ضد هذا التوحش .. لأننا إذا لم نتمكن منه .. سيعمل على تفتيتنا وبمساعدة كاملة لمن هو سعيد بمجازر داعش .. أو من هو مستفيد من هذا الإرهاب الإسلاموي وليس المسلم ... رغم أننا جميعاً نعرف من هو المستفيد الأول والأخير.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد