إنتهت الزوبعة الاعلامية التي استهدفت بنك فلسطين في غزة بالتشويه والتشكيك في مصداقيته، معتمدة على رواياتٍ شخوصها مجهولة وتفاصيلها بعيدة عن المنطق، ما جعلها أقرب إلى التأليف ووصفها بالإشاعة، لدرجة لم تُشغل السيد النائب العام بتفاصيلها، ولو كان فيها من الصدق لارتقت إلى مستوى الخيانة الاقتصادية.

 لكن الملفت في وصف أسباب حملة تشويه البنك استخدام مصطلحات مثل "خاوة " و "أتاوة"، وكلاهما صفة لفعل يمارسه القوي على الضعيف عنوة وبلطجة، خدمة لمصالح حزبية أو شخصية على شاكلة ما يحدث في دول غاب فيها القانون وحل بدلا منه قانون العصابات المسلحة.

في العراق، مثلا، المليشيات المسلحة التي تسيطر على حي أو شارع تفرض على الاسواق والمواطنين دفع خاوات مقابل توفير الأمن لهم وحماية ممتلكلتهم. هي القوة وهي القانون الذي يخولها تحديد قيمة الخاوة. وفي غزة يبدو أننا أصبنا بالمرض العراقي وأن هناك مَنْ يريد فرض الخاوات على البنوك - حسب رئيس بنك فلسطين. ولأن البنك رفض الانصياع كان الانتقام بفبركات إعلامية لتشويه سمعته. هكذا، في العراق قتل وتفجير واستباحة ممتلكات أخرين، وفي فلسطين تشويه سمعة واحد من أكبر المؤسسات المصرفية. ليس مهما زعزعة الاقتصاد الوطني، المهم معاقبة المتمرد على الدفع بتحويل المواطنين (مساهمين ومودعين) إلى بنوك أخرى.

 الخطة نجحت!!! تدفق المواطنون على البنك لسحب ما تبقى لهم، خشية احتمال إفلاس البنك - كما أوحى به أصحاب الحملة، وأن يفقدوا ما أودعوه في بلد صارت بيوته غير أمنة بفعل الحروب المتوالية. النتيجة: فوضى وارتباك. الاشاعة تضخمت وذهبت بنا الى ما فوق طاقتنا من القلق.  لم يكن الاحتلال مصدر الاشاعة - كما هو متوقع في استهداف جبهتنا الداخلية - لكن ثمة من تطوع بما يملك من قوة وماكنة اعلامية في داخل البلاد وخارجها للانتقام من "التمرد" على الدفع.

يعرف المواطن المسكون بهاجس البحث الدائم عما يستر أسرته بعمل كريم يوفر له لقمة عيش تغنيه عن التفكير في مغادرة البلاد كيف تسعى الحركة المجاهدة أو جهازها المالي لجباية ما تبقى في جيوب الناس من خلال ضرائب قسرية لا حصر لها أشبه بالخاوات المفروضة على التجار، كان نتيجتها رفع إسعار كافة المنتوجات فوق طاقة المواطن.

ويعرف المواطن أن الحركة النشطة لشرطة المرور التي تنتشر فجأة في الشوارع ليس حرصا على تنظيم حركة السير أو حياة المواطن بقدر ما هي تسجيل أكبر عدد من المخالفات المرورية على السائقين تفوق حصيلة عملهم اليومي.

وفوق ذلك، يعرف أيضا أنه مطالب بدفع فواتير الكهرباء والبلدية بانتظام وانصياع كاملين، وأن موظفي الجباية لديهم نشاط استثنائي محموم في طرق أبواب والقفز عن أبواب أخرى في الحي ذاته والشارع ذاته.

قبل أكثر من ألفي عام، احتفل الصينيون ببناء سورهم العظيم. ظنوا أن الغزاة لن يستطيعوا دخول البلاد، لكن الغزاة كانوا يدخلون البلاد بسهولة من خلال البوابات، لان الصينيين انشغلوا ببناء السور ونسوا بناء الحارس الامين. وعندما تولى ماوتسي تونغ قيادة الصين كان همّه صناعة "إنسان النصر". الحكمة تقتضي الاستفادة من تجارب الاخرين، قبل أن نستيقظ فجراً على الخراب وقد عمّ، ونسمع مَنْ يردد "إحنا شعب وإنتو شعب..".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد