المؤتمر الدولى وعملية السلام فى الشرق الأوسط..بقلم:اللواء محمد ابراهيم وكيل جهاز المخابرات المصرية السابق

اللواء محمد ابراهيم

تثار حاليا مقترحات فرنسية تهدف إلى دفع عملية السلام فى الشرق الأوسط من خلال عقد مؤتمر دولى يجمع الأطراف المباشرة والمعنية للتوصل إلى حل لهذه المشكلة التى توالت عليها عقود طويلة دون أن تصل إلى مرحلة السلام الشامل, وقد تكون الفكرة جيدة من الناحية النظرية ولكن تظل من الناحية العملية مجرد فكرة مثالية تدور فى إطار النيات الطيبة ولا ترقى إلى مستوى إحداث اختراق حقيقى ينقل المشكلة من مرحلة اللاحل الراهنة إلى مرحلة الحلول العملية القابلة للتنفيذ.

لا أشك لحظة فى جدية تحرك الجانب الفرنسى ودوره المميز وحرصه على تحقيق إنجاز فى القضية الفلسطينية, لكن هل يكفى هذا التحرك لحل تلك القضية شديدة التعقيد خاصة أن روسيا أحد القطبين الكبيرين والتى تمتلك علاقات جيدة مع جميع الأطراف حاولت لسنوات طويلة أن تضغط لعقد المؤتمر الدولى دون جدوى, فى نفس الوقت الذى يجب أن نذكر فيه تاريخياً أن المؤتمر الدولى للسلام عقد فى جنيف ليوم واحد فقط فى 21 ديسمبر 1973 (تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 338) برعاية الأمم المتحدة ومشاركة كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وإسرائيل والأردن مع غياب سوريا وانتهى دون نتائج.

وإذا تعرضنا لمدى قدرة المجتمع الwدولى على عقد مثل هذا المؤتمر والوصول به لنتائج فإننا يجب أن نشير إلى أن من يتحمل مسئولية هذا الاقتراح يجب أن تكون لديه القدرة على بلورة الفكرة إلى واقع حتى لا يقتصر الأمر على مجرد تظاهرات احتفالية تجمع الأطراف ثم تنفض, ولذلك فإن الواقع يؤكد أن من يمتلك مثل هذه القدرة هو الولايات المتحدة التى لم تكن يوماً متحمسة لعقد مثل هذا المؤتمر الدولى نظراً لأنها ترغب فى أن تمتلك بنفسها جميع مفاتيح تحريك الموقف بعيداً عن مثل هذه الحلول, كما يجب ألا نعقد مقارنة بين فكرة هذا المؤتمر الدولى للسلام ومؤتمر مدريد عام 1991 ومؤتمرات جنيف الخاصة بالأزمة السورية لاختلاف الظروف الإقليمية والدولية تماماً لهذه المؤتمرات الثلاثة.

فى نفس الإطار فإن إسرائيل ترفض بشدة فكرة المؤتمر الدولى وتؤمن بأن الأسلوب الوحيد لحل مشاكلها مع الدول العربية يتمثل فى المفاوضات الثنائية المباشرة مع كل دولة على حدة لقناعتها أن هذا هو الطريق العملى للتوصل إلى السلام وهو ما تحقق فعلياً فى معاهدتى السلام الإسرائيلية مع مصر عام 1979 والأردن عام 1994 والاتفاق الذى لم يكتمل تنفيذ بنوده (أوسلو 1993) ومفاوضات مهمة لم تخرج نتائجها إلى النور وهى ما أطلق عليه وديعة (رابين) مع السوريين بين عامى 93/95, وما سمى بتفاهمات (أولمرت) مع الفلسطينيين عام 2008 , وكلها تمت بمفاوضات ثنائية مباشرة وبوساطة أو رعاية أمريكية فقط .

إذن من الواضح أن فكرة المؤتمر الدولى لم تكن هى الأنسب فى المراحل السابقة وبالتالى سوف تشهد نفس السيناريو فى المرحلة القادمة, لكن هل يعنى ذلك أن تتوقف أية جهود يمكن أن تبذل من أجل حل المشكلة؟ الإجابة قطعاً بالنفى فلا يوجد مانع من أن تستمر الجهود الفرنسية وغيرها فى التحرك مع جميع القوى لإقناعها بفكرة المؤتمر الدولى التى من الواضح أنها تلقى قبولاً عربياً ودولياً إلا أنها لابد وأن تصطدم بالمواقف المتشددة من جانب الأطراف الرئيسية التى تمتلك مفاتيح الموقف وأعنى بذلك الولايات المتحدة وإسرائيل, وحتى لو وافقت واشنطن على الفكرة لإظهار أن إدارة الرئيس أوباما قد تحركت بشكل إيجابى قبل رحيلها نهاية العام الحالى, فماذا بشأن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية التى أسقطت فكرة حل الدولتين، بل أسقطت فكرة السلام من أساسها ولن تتحرك قدماً فى طريق السلام حتى تتضح وتستقر خريطة المنطقة العربية لاسيما وأنه من المفترض أن تكون قضية الانسحاب الإسرائيلى من (الجولان السورى) مطروحة على مائدة المفاوضات .

من الضرورى أن نتجه لإعادة الزخم للقضية الفلسطينية من خلال جهد عربى شامل وجهد فلسطينى أرى أنه يتحرك بجدية للضغط على إسرائيل فى المنظمات الدولية حيث إن تراجع القضية فى الأولويات العربية إما أن يدفع بها إلى دائرة النسيان أو قد يجبر الشعب الفلسطينى على تفجير الموقف بعد أن وصل إلى طريق مسدود وأعلنت قيادته السياسية بوضوح فقدانها كل أمل ممكن فى تحقيق أقل حقوقه المتمثلة فى الدولة المستقلة , ولعل ما يطلق عليه حالياً (انتفاضة السكاكين) يعد نموذجاً مصغراً لانفجار أكبر قد يأتى فيغير المعادلة كلها وحينئذ لا يمكن لأحد السيطرة على الموقف , وهنا لابد من استثمار عضوية مصر فى مجلس الأمن لإعادة هذا الزخم المطلوب للقضية خلال المرحلة القريبة القادمة والسعى نحو طرح قرار فى المجلس لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضى المحتلة حتى لو استخدمت واشنطن حق الفيتو لوأد القرار لأن كل هذا الجهد سوف يشكل فى النهاية مرحلة جديدة تعيد القضية (المسكوت عنها) إلى صدارة يستحقها نضال الشعب الفلسطينى, وعلينا ألا ننسى أن هذه القضية كانت وستظل قضية أمن قومى مصرى وعربى مهما حاول البعض تصوير الأمر بغير ذلك.

ارتباطاً بنفس الموقف وبالتوازى مع الجهود الفرنسية والدولية لعقد المؤتمر الدولى يجب أن تكون هناك بدائل أخرى لابد من طرق أبوابها فى أقرب وقت ممكن أهمها ضرورة أن تتحرك المجموعة العربية مع الولايات المتحدة فى محاولة جادة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية / الفلسطينية بشرطين رئيسيين الأول بلورة أسس ومرجعيات تفاوض واضحة والثانى سقف زمنى محدد لنهاية عملية التفاوض, صحيح أننا فى عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية ولكن لابد من تحرك عربى لا ينتظر النتائج وإنما يحاول أن يسبقها أو على الأقل ليرتفع الصوت العربى قليلاً فى هذه القضية العادلة خاصة أن العرب قدموا رؤيتهم للحل الشامل فى مبادرة السلام العربية عام 2002 .

الخلاصة كما أراها تتمثل فى وجوب إعادة الزخم للقضية الفلسطينية بكافة الوسائل المشروعة المتاحة , ولا مانع من أن تكون فكرة المؤتمر الدولى ضمن هذه الوسائل وليست أولها نظراً لمحدودية نتائجها مع أهمية تنشيط المسارات الأخرى بالتوازى (المقاومة الشعبية المشروعة - قرار فى مجلس الأمن - استئناف المفاوضات - تنشيط المبادرة العربية ). وفى تقديرى أن إسرائيل لن تتجه إلى التحرك الجاد فى عملية السلام ما لم تستشعر أن أمنها يتعرض لتهديد حقيقى, وهو ما يفرض على إسرائيل أن تسبق الأحداث قبل أن تسبقها الأحداث ولن تستطيع حينها ضبط الموقف كما تريد.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد