من يقرأ تصريحات زعيم المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتصوغ التي نطق بها أول من أمس، والتي قال فيها أن إسرائيل ستفقد القدس إذا لم تنفصل عن القرى الفلسطينية في ضواحي المدينة، سيصل إلى استنتاج سريع بأنه لا توجد معارضة جدية لنتنياهو في الحكم، باستثناء حركة «ميرتس» التي بات تأثيرها محدوداً، والقائمة العربية المشتركة التي يستثنيها الإسرائيليون من مشهدهم السياسي ولا يكادون يرونها كجزء من التركيبة الإسرائيلية التي تركز على الأحزاب اليهودية. فالكتل الثلاث الكبرى: «المعسكر الصهيوني» الذي يضم حزبي (العمل) و ( الحركة)، و (هناك مستقبل) بزعامة يائيرلبيد، و (إسرائيل بيتنا) برئاسة أفيغدور ليبرمان، كلها غير قادرة على انتاج خطاب معارض يحظى بدعم الجمهور ويشكل بديلاً لحزب «الليكود» ورئيسه الذي يتربع على عرش إسرائيل منذ سبع سنوات متتالية سبقتها ثلاث سنوات بين عام 1996 و1999، والمصيبة الأكبر أن هذه الكتل تحاول أن تبرز قدرتها على أن تكون يمينية وأمنية بامتياز علها تحظى بدعم الجمهور كبديل ليس أقل تشدداً وحرصاً على الميراث الصهيوني الاستعماري.
لا يدرك السيد هرتصوغ أن تماهيه مع خطاب بنيامين نتنياهو بشأن القدس «الموحدة والعاصمة الأبدية لإسرائيل» ليس فقط لا يمثل بديلاً مقبولاً كونه لا يطرح حلاً مقبولاً على أحد خارج إسرائيل، بل هو يقود الجمهور الإسرائيلي لدعم نتنياهو على اعتبار أن طريقه هو الصحيح، وعلى الأقل هو اليمين الأصلي وليس المستجد والمتظاهر. وهذا يذكرني بخطأ القوى الوطنية الفلسطينية التي تبنت خطاب الإسلام السياسي، خلال مرحلة الانتفاضة الثانية، والذي لا يزال بعضه حاضراً حتى الآن، وساهمت في دفع المواطنين إلى دعم حركة « حماس ».  ولو نظرنا إلى البرنامج الذي يطرحه هرتصوغ، سنراه يقترب أكثر إلى خطة شارون منه إلى أي حل واقعي، يطرح بديلاً واقعياً. فهو يريد خطوات أحادية الجانب تحتفظ فيها إسرائيل بما تراه حيوياً لمصالحها، ويترك الفلسطينيين خارجاً لمصيرهم إلى أن تبزغ لديهم قيادة جديدة قادرة على التفاوض مع إسرائيل بناءً على هذه الرؤية. وهو يجمع بين شارون ونتنياهو فيتفق مع الأخير على عدم وجود شريك فلسطيني فضلاً عن اتفاقه التام معه بشأن القدس الموحدة التي تستثني الأحياء الفلسطينية المكتظة التي لا يريدها أحد.
غباء وتعاسة طرح هرتصوغ لا ينحصران في خسارته المحتمة وفي تقديم خدمة لنتنياهو، بل أيضاً في عرض أفكار لن تساعد في ضمان الأمن لإسرائيل، فالخطوات أحادية الجانب كالانسحاب من غزة كانت لها نتائج عكسية، وبدون التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين لن يكون هناك أمن ولا استقرار في هذه المنطقة. وإضاعة الفرصة التاريخية التي تقدمها القيادة الفلسطينية الحالية المستعدة تماماً للتوصل إلى حل وسط مقبول على كل الأطراف بما في ذلك على المجتمع الدولي الذي يتبنى حل الدولتين على أساس حدود الرابع من حزيران عام 1967، والفرصة التي تقدمها الدول العربية مجتمعة ومعها الدول الإسلامية من خلال المبادرة العربية للسلام التي أضحت مرجعية دولية لعملية السلام، هو خسارة إسرائيلية فادحة، ستقود في النهاية إلى تخليد الصراع وإراقة الدماء، حيث لن تنجح إسرائيل مهما اتخذت من إجراءات عقابية وتعسفية وإرهابية دموية في الحصول على الأمن الذي أضحى بقرة مقدسة وشعاراً خادعاً يداعب المخاوف والعقد التي يزرعها قادة إسرائيل في عقول جمهورهم، وكأن الأمن يتحقق بمعزل عن السلام أو هو الذي يجلب السلام على طريقة نتنياهو.
الحكومة الإسرائيلية الحالية تأخذ الدولة نحو مستنقع التطرف والعنصرية التي لا يكتوي بنيرانها الفلسطينيون سواء في المناطق المحتلة أم في إسرائيل وحدهم، بل هي آفة تصيب المجتمع الإسرائيلي الذي كان يتغنى بالديمقراطية والليبرالية. فلم يعد مقبولاً أن ينطق أي إسرائيلي بموقف يتعارض مع موقف اليمين الاستيطاني المتطرف، والتهم جاهزة من التمويل الأجنبي وخدمة مصالح المتدخلين بالشأن الإسرائيلي وحتى الخيانة. وهناك مجموعة من الوزراء مهمتهم تغيير القوانين باتجاه الديكتاتورية وحكم اليمين المطلق، بل وتغيير الثقافة الإسرائيلية وكم أفواه من يعتقدون أن بإمكانهم أن يستفيدوا من المناخ الذي توفره الديمقراطية النسبية التي كانت قائمة والانفتاح على الثقافة الإنسانية الواسعة، وحصر الدعم الحكومي والرعاية لمنتجي ثقافة عنصرية أحادية اللون، لا مجال فيها للآخر المختلف حتى في البيت اليهودي الواحد، ناهيكم عن الخصم أو النقيض. 
ومن حق نتنياهو أن يفرح ويرحب بانضمام هيرتصوغ لنادي الرافضين لرؤية الشريك الفلسطيني، ولرؤية التسوية السياسية بمنظار أوسع من العدسة الصهيونية التقليدية المحافظة. فالأخير بطريقة أو بأخرى يقول أن برنامج نتنياهو ينتصر، وفكرة البديل السياسي الواقعي لم تعد قائمة على المدى القريب والمنظور، وحتى الذين يعارضون نتنياهو، وهم كثر، يحاولون ايجاد معارضة اقرب لليمين لنزع البساط من تحت اقدام نتنياهو والحصول على دعم القطاعات التي تمثل الوسط واليمين، ولا توجد قوى مؤثرة تتبنى الذهاب نحو سياسة مغايرة ترفع من شأن إسرائيل وتحقق لها السلام والأمن مع جيرانها. ولكن في خضم هذا المشهد المظلم هناك نخب تتسع قاعدتها تؤمن بأن نتنياهو يجر إسرائيل نحو الهاوية، وأمام هذه النخب مشوار طويل حتى تتحول إلى قوة مؤثرة وبديل حقيقي للتطرف الذي تزداد قوته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد