في هذه المرحلة التي تقتل فيها قيم الانسانية والعدالة وتنتهك القوانين الدولية، وتفتك أسلحة الغرب الليبرالي بأطفالنا ونسائنا وأسرانا، وفي وقت تتزايد فيه الصلاجة الغربية في منع النضال السلمي والقانوني لقضية فلسطين، وبعد أشهر من اعتراف البرلمان اليوناني بالدولة الفلسطينية، ودعوتهم للرئيس الفلسطيني أبو مازن لحضور تصويت البرلمان وخطابه التاريخي أمام الشعب اليوناني، وكأن العالم اصبح ميدان المعركة دفاعاً عن الحق الانساني وبوصلته فلسطين، حيث تداهمنا اليوم 13مارس ذكرى شهيد الحركة الأسيرة المناضل اليوناني (ميخائيل بابا لازارو)، نذكره ونذكر معه كل سفراء الانسانية ومناضلي الحرية من جنسيات مختلفة، الذين أمنوا بقضيتنا وناضلوا لأجلها، فكانوا نواة الدعم العالمي لنا،
وهنا نذّكر سفاراتنا وجالياتنا بذكرى استشهاد البطل اليوناني ميخائيل في 13 مارس 1983م، نتيجة التعذيب والاهمال الطبي بحقه من قبل مصلحة سجون الاحتلال الاسرائيلي، لعلنا نوفيه حقه أمام شعبه اليوناني وأمام العالم. إنها الحتمية التاريخية والإنسانية التي جعلت من المناضل ميخائيل شهيداً من شهداء الحركة الأسيرة في فلسطين، ليجعل من روحه حلقة وصل بين اليونان منبع الفكر الديمقراطي والإنساني وبين فلسطين مهد الأديان وموطن الثورة والقضية العادلة.
لقد انتمى الشهيد البطل ميخائيل للثورة الفلسطينية عام 1971، وكان يمتلك سفينتين ويعمل في نقل البضائع بين موانئ البحر المتوسط، حيث أقنعه رجال حركة فتح العاملين في ساحة اوروبا بعدالة قضية فلسطين وأشعلوا بداخله الحمية الإنسانية لنبلاء اليونان القديمة، فانضم للثورة وودع زوجته وابنه، وانطلق بسفينتيه إلى لبنان ووهبهما لقوات البحرية بحركة فتح، وهناك تزوج فلسطينية وأنجب منها ثلاثة أطفال، وشارك في عدة مهمات فدائية ونقل فدائيين وأسلحة للثورة من اليونان وقبرص إلى لبنان.
وفي عام 1979 اعتقل جيش الاحتلال الاسرائيلي المناضل ميخائيل عن عمر 46 عام، خلال مهمة فدائية على شواطئ فلسطين، ومعه مجموعة تابعة لحركة فتح، وأثناء التحقيق معه كان عنواناً للصمود أمام أبشع أساليب التعذيب، وأكد عدم ندمه على ما فعله وتحداهم باستعداده للشهادة لأجل فلسطين، وفي قاعة محكمة الاحتلال وقف البطل ميخائيل بكل شموخ مؤكداً على عدالة قضية فلسطين وعلى فاشية دولة الاحتلال الاسرائيلي وحتمية انتهاءها.
عاش ميخائيل معظم فترة اعتقاله في سجن بئر السبع وحاز على حب الأسرى، وكان موضع ثقة لهم لصدقه ولكبر سنه، وكان يتحدث اللغة العربية بلكنة أجنبية حببته لهم، وكان يعاني من مرض السل وسرطان الرئة، ورغم خطورة مرضه لكنه رفض استثناءه من خوض الإضراب عن الطعام ورفض قرار الأسرى بعدم اشراكه بالإضراب خوفاً على حياته بسبب مرضه.
وفي بداية عام 1983 تفاقمت حالته الصحية، وبعد ضغوط من رفاقه الأسرى نقل لمستشفي سجن الرملة (المسلخ)، ورفضت حكومة الاحتلال إبعاده لليونان، وخلال زيارة القنصل اليوناني له أقنع القنصل بعدالة قضية فلسطين، مما دفع القنصل بتكرار زيارته في مستشفى السجن، ورغم تردي حالته الصحية أعادته سلطات الاحتلال لسجن بئر السبع، لكنه واصل تفاعله مع الجميع وحرص علي إثارة المرح بين إخوانه الأسري، رغم معاناته من الآلام الشديدة، وأمام ضغط الأسرى أعادوه لمشفى سجن الرملة، الذي يتميز بالتردي المعيشي وبالاهمال الطبي والتعذيب والأدوية التجريبية والاخطاء الطبية.
وفي زيارته الأخيرة قال له القنصل: "لا تجزع يا ميخائيل أنت مناضل من أجل قضية عادلة"، وطلب ميخائيل منه عمل تأشيرة لابنه من المرأة اليونانية ليزوره في السجن، وخلال أيام وصل ابنه لفلسطين رغم رفض أمه لسفره ورفضها تغطية نفقات سفره وإقامته، لكنه باليوم الثاني لوصوله فلسطين، اتصل بوالدته من أحد بيوت رام الله وقال لها: "يكفيني فخراً أنني تعرفت على شعب عظيم ناضل والدي لأجله ولا أحتاج أموالك فقد وفروا لي احتياجاتي". .
لقد كان لقاءاً ووداعاً مؤثراً بين الابن وأبيه، وفي ختام زيارته أوصى الشهيد البطل ميخائيل ولده أن يحضر لفلسطين يوماً ليتجول في هذه البلاد الجميلة، وللتعرف على أهلها الكرام فهم يستحقون أن نضحي لأجلهم، وفي اليوم السادس ذهب لزيارة والده ميخائيل في مستشفى سجن الرملة أبلغه السجان أن والده قد فارق الحياة، حينها وقف الابن للحظات ينظر إلي السجان وفي أعماقه تشتعل ثورة حق وقال: "من مات من أجل قضية عادلة لن يموت وسيبقى خالداً بخلود العدالة ذاتها"..
ارتقى الشهيد البطل ميخائيل بابا لازورو في 13/3/1983 عن عمر 50 عاماً، ودفن باليونان وُكتب على ضريحه حسب وصيته : (ميخائيل بابا لازارو مناضلاً يونانياً قدم حياته دفاعاً عن قضية إنسانية عادلة هي قضية فلسطين) . المجد لشهداء فلسطين وشهداء الحركة الأسيرة وعلى رأسهم فارس الحرية (ميخائيل بابا لازورو)، ولكل من يدعم الحق الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية