تكاملت الأدوار الثلاثة لِـ : مؤسسات المجتمع المدني، والجيش، مع  الدولي، في صناعة ثورة الربيع العربي منذ عام 2011، في تونس ومصر ولدى ليبيا، فمؤسسات المجتمع المدني حَرّكت الشارع ضد الأنظمة الثلاثة بعد أن وظفت حاجة المواطن العربي للخدمات الحيوية وللعدالة الاجتماعية وللديمقراطية، وهو ما عجزت الأنظمة العربية على تقديمه وتوفيره لمواطنها، واستجاب الجيش لحراكات الشارع الاحتجاجية، ووجد التحريض والغطاء والمتابعة الملازمة للأحداث من قبل صُناع القرار الدولي لدى الأميركيين والأوروبيين، في كل من جيشي تونس ومصر اللذين قادا عملية تغيير حسني مبارك وزين العابدين بن علي، ولكن الجيش الليبي لم يتجاوب مع التحريض الدولي، ولم يتعاطف مع حراكات الشارع الاحتجاجية، فأكمل القرار الدولي حصاره وانقضاضه وتدخله القتالي المباشر، فأسقط نظام القذافي بالعمل المسلح الأميركي الأوروبي. 
وكانت سورية الحلقة الرابعة، التي توقف عندها وفيها قطار الربيع العربي، ولم ينفذ نتيجة عدم تكامل الأدوار بين العوامل الثلاثة «المجتمع المدني والجيش والقرار الدولي» ولم تفلح في استكمال وظائفها، وتكاملها مع بعضها لإسقاط النظام وتغييره، فمؤسسات المجتمع المدني لعبت دوراً مبادراً ناجحاً بما يليق بها، وبما هو مرسوم لها، ووجدت الغطاء الدولي المناسب ولكنه لم يكن كافياً لتحقيق ما هو مطلوب كما حصل في المحطات الثلاث السابقة، وقد تم استبدال الغطاء الدولي بالغطاء الإقليمي الذي كان أكثر حضوراً وتطرفاً ولهفة، داعماً لحركة المعارضة وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين وغيرها من الاتجاهات الإسلامية والأصولية التي تسيدت المشهد الثوري على الأرض وفي الميدان، بدعم تركي وخليجي. 
لم تكتمل أدوار العوامل الثلاثة مع بعضها في سورية، فإذا استثنينا العامل الأول المجتمع المدني، فقد أحبط العامل الثاني وهو الجيش الهدف، حيث بقي الجيش السوري متماسكاً موحداً، ولم تخرج منه وعنه ما يمكن أن يضفي خللاً على أدائه، باستثناء حالات فردية سواء من كبار الضباط أو الأفراد، ولكنها سُجلت كحالات فردية لم تترك أثرها العميق على المؤسستين العسكرية والأمنية إضافة إلى المؤسسة الحكومية والدبلوماسية وكذلك مؤسسات حزب البعث، والتي بقيت في أغلبها متماسكة موحدة، وصدت بما تملك من إمكانات المواجهات المسلحة ضد المعارضة السورية المدعومة بأطراف دولية وإقليمية.
أما العامل الثالث فهو أيضاً كان حاسماً في فشل برنامج انتصار الثورة وإحباط مخططها وحصيلة هدفها، فقد أدى العامل الثالث الدولي دوره الكامل في توفير الغطاء لعمليات التغيير في البلدان الثلاثة تونس ومصر وليبيا، ولكن لدى سورية، انقسم العامل الدولي، حيث وقفت روسيا والصين مع نظام الرئيس بشار الأسد ووفرت له عوامل الصمود وأدواته، بينما وقفت الولايات المتحدة وأوروبا مع المعارضة المسلحة ودعمتها، وانعكس ذلك على شكل وحجم الدعم المقدم من الطرفين المتصارعين على الأرض، وحصيلته إخفاق الثورة والمعارضة المسلحة من تحقيق غرضها في إسقاط النظام السوري وتغييره. 
نجاح ثورة الربيع العربي، في كل من تونس ومصر وليبيا يعود لتوفر عوامل الانفجار والاحتجاج والرفض كما هو حاصل لدى البلدان الثلاثة، سواء توفرت كافة العوامل المحفزة أو بعضها على الأقل، بعيداً عن الرغبات الذاتية، أو الرؤية الأحادية نحو ما هو سائد وهي : 1- غياب الاستقلال السياسي والاقتصادي، و2- عدم توفر العدالة الاجتماعية، و3- الافتقاد للديمقراطية، وهي لم تكن متوفرة لدى سورية مثلها مثل تونس ومصر وليبيا، حيث أخفق النظام في دمشق طوال عقود مضت على تحقيقها وتكاملها وإن كانت أقل في بعضها أو أكثر مع بعضها الأخر مقارنة مع البلدان العربية، ولكن تكامل أدوار مؤسسات المجتمع المدني مع الجيش مع الغطاء الدولي، توفر لدى البلدان التي نجح فيها التغيير وأخفق في سورية لأن العوامل الثلاثة لم تتوفر فالجيش السوري بقي متماسكاً مع النظام، والغطاء الدولي انقسم إلى قسمين، ولم يكن موحداً كما حصل مع تونس ومصر وليبيا وكما سبق وحصل في العراق، وقد سبق لمسؤول روسي أن قال لمسؤول عربي « لقد خطفت واشنطن العراق وليبيا في غفلة من الموقف الروسي، ولكنها لن تتمكن من فعل ذلك في سورية»، وهذا ما حصل حيث حمت روسيا النظام من السقوط والانهيار، وتراجعت الولايات المتحدة بعد أن فشلت خلال خمس سنوات من تحقيق غرضها بتغيير النظام السوري، فوقع التفاهم الروسي الأميركي البديل، وهو اتفاق وقف إطلاق النار وفرض التهدئة تمهيداً للتسوية المنتظرة. 
ما يدلل في قراءة متأنية لحصيلة ثورة الربيع العربي، سواء في نجاحها في إسقاط أنظمة، أو إخفاقها في استكمال خطوات المطالب والتطلعات داخل كل بلد عربي وهي استكمال مضامين الاستقلال السياسي والاقتصادي وشروطه، وتوفير العدالة الاجتماعية المفقودة، وتحقيق الديمقراطية الغائبة وطالما لم يتحقق ذلك، ستبقى ثورة الربيع العربي محطة، ولكنها ليست المحطة الأخيرة، حيث بات من الضرورة الوصول إلى محطة أو محطات لاحقة توفر للإنسان العربي أنظمة ذات حكومات برلمانية حزبية لدى البلدان الملكية، ورؤساء منتخبين لدى الأنظمة الجمهورية، وبذلك ولوحده يمكن تحقيق المطالب الضرورية والملحة وهي استكمال الاستقلال وتحقيق العدالة وتوفير الديمقراطية، وهذه لن تتم إلا من طرف حكومات برلمانية حزبية ومن رؤساء منتخبين، وهذا لن يتم إلا عبر صناديق الاقتراع أي عبر إرادة الشعب ورغباته وانحيازاته. 
h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد