على الرغم من المتغيرات الكثيرة التي تشهدها الضفة الغربية - بما فيها اعتداءات الاحتلال واستمرار الهبّة الشعبية، وتواصلها على شكل موجات تعلو كثيراً وتهدأ في بعض الأحيان.. وبين الهدوء والغليان لا أحد يستطيع تقدير الموقف، لأن الهبّة بالأساس قائمة على العمل الفردي في غالبية الهجمات التي تمّت... وفي ظل إضراب المعلمين الذي، أيضاً، غيّر كثيراً من الحقائق، بصرف النظر عن الخلافات بين المؤيدين أو المعارضين... أو تحميل الإضراب ما لا يحتمل سواء بالتسييس من جهة أو توصيفه بشكل رديء من جهة أخرى - فإن قضية القدس تخبو شعلتها، وتنطفئ قدرتها على مواجهة سياسة الأسرلة والتهويد... دون أن يلتفت أحدٌ إلى حالة الاحتضار الاقتصادية التي وصلت إليها المدينة، وخاصة في القطاع التجاري بالبلدة القديمة.
أول من أمس، عقد التجار المقدسيون مؤتمراً صحافياً تحدثوا فيه عن تطورات أوضاعهم، وقالوا: إن 35% من محلات القدس القديمة أجبرت على الإغلاق بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتمثلة بالاعتقالات والتنكيل والتفتيش المذلّ، وخاصة على أبواب البلدة القديمة وفي شوارعها وأزقّتها... بحيث أصبحت فئة الشباب الأكثر استهدافاً من قوات الاحتلال.
وتسبب هذا الوضع بانخفاض عمليات الشراء من المحلات التجارية بنسبة وصلت إلى 80%، والوضع ينذر بأنه يسير إلى الأسوأ.
التجار المقدسيون أطلقوا صرخة مناشدة من أجل دعمهم، والحدّ من خسائرهم، ومساندتهم ليتمكنوا من الصمود في وجه سياسة القهر والتهويد.
ولكن أين ذهبت صرخة التجار هذه، هل إلى آذان وصدور أصحاب القرار والقادة الفلسطينيين... ومن ثم القادة العرب... أم أن صرختهم تاهت في بئر التجاهل العميقة، دون أن تترك أدنى حد من الصدى أو التأثير، في المقابل فإن سلطات الاحتلال ومن أجل تثبيت التجار اليهود - في الأحياء المحيطة بالبلدة القديمة، وفي المحلات التي يمتلكها يهود في منطقة البراق أو ما يطلق عليها «حارة اليهود» التي أقيمت على أنقاض البيوت الفلسطينية التي هُدمت بعد الاحتلال في العام 1967 - قامت بدعمهم بما لا يقلّ عن 100 مليون شيكل حسب الصحافة الإسرائيلية كتعويض لخسائر محتملة للقطاع التجاري اليهودي جرّاء الهبّة الفلسطينية، التي، أيضاً، ساهمت في ضرب قطاع السياحة، وخاصة الفنادق والمطاعم ومحلات بيع الهدايا التذكارية وغير ذلك.
سلطات الاحتلال، أيضاً، لديها خطة استراتيجية حول تعويض القطاعات الاقتصادية المتضررة... لكيلا تتأثّر سياسة التهويد المنتهجة منذ عدة عقود... والتي غيّرت ملامح المدينة الديمغرافية... بحيث أصبح الفلسطينيون الذين مثلوا أغلبية مطلقة حتى سبعينيات القرن الماضي أقلية محاصرة، وأصبحت أحياؤهم مقطّعة بالطرق الاستيطانية... وبالتالي تعي سلطات الاحتلال تماماً أن ضخّ الأموال وتعويض المستوطنين والفعاليات الاقتصادية اليهودية ينصب في صالح الرؤية بعيدة المدى والهدف النهائي القائم على السيطرة الكاملة على القدس العربية بما فيها البلدة القديمة وحتى المقدسات.
إذن، ماذا نحن فاعلون أمام الملايين التي تصبّها حكومة الاحتلال باتجاه المحافظة على صلابة التاجر اليهودي؟ هل نحن قادرون على الردّ بالطريقة نفسها؟ وهل لدينا الإمكانيات لإعادة فتح الـ35% من المحلات التجارية التي أغلقت في القدس بفعل الاعتداءات الإسرائيلية، وتمكينها من الصمود أمام الاعتداءات ومحاولات الاحتلال لتفريغ المدينة من الوجود الفلسطيني؟
حتى الآن الاستراتيجية المتبنّاة فلسطينياً قائمة على أساس الدعم «الكلامي»... خذوا ما شئتم يا تجار القدس من الإشادة والشكر وتثمين مواقفكم الوطنية، والتأكيد على أنكم رأس الحربة في مواجهة العدو، وأنتم حماة القدس والمقدسات، المرابطون إلى يوم الدين... إذن هي كلمات جميلة ولكنها لا تقلّ خطورة عن وضع ذلك الأعرابي في زمن عمر بن الخطاب... حيث كان الأعرابي يدعو الله أن يشفي ناقته التي أصيبت بالجرب... فكان قول عمر رضي الله عنه: «هلاّ جعلت مع الدعاء شيئاً من القطران»... بمعنى جيد أن تشيد وتشكر ولكن من الأفضل أن تقدم المعونات العاجلة بأشكالها كافة، هبات وقروضاً ميسرة وتسهيلات مالية لتجار ومحلات القدس حتى تتمكن من الصمود... وحتى لا يطمع فيها مستوطن حاقد، ولا عميل يبيع «الأقصى» بالدولار...
إذن هي مناشدة لكل الذين نزلوا عن «أحد» الفلسطيني بحججٍ واهية... أنقذوا القدس فإنها تحتضر!!!

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد