غزة هل من بديل للحرب ؟..د.ناجى صادق شراب

50-TRIAL- في حالة غير مسبوقة في أدبيات وتاريخ الحروب أن تشهد غزة ثلاثة حروب في أقل من ست سنوات.والمفارقة في هذه الحروب والتي تعتبر مغايرة لأى حرب أخرى أنها تتم بين إسرائيل كدولة قوة كبيرة ، وتملك من السلاح والتفوق التكنولوجى ما يكفى لتدمير غزة ، وهو ما يحدث في كل حرب، وبين غزة وهى جزء صغير من فلسطين ، لكن ما يميزه كبر سكانه وفقر موارده، وتحكم المقاومة وحركة حماس خاصة بقراره ومصيره حتى مع وجود حكومة توافق أو مصالحة . 
والمفارقة الأخرى ألتى تحكم علاقة غزة بإسرائيل تختلف بل وتتعارض مع أسس العلاقة التي تحكم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بإسرائيل والتي تقوم على الإعتراف ونبذ العنف ، ومجموعة من الإتفاقات التي لم تلتزم بها إسرائيل ، ولم تؤدى لقيام الدولة الفلسطينية . 
إذن الأساس في هذه الحروب علي غزة ، أمران أساسيان هما : فشل المفاوضات وعدم قيام الدولة الفلسطينية الكاملة والمستقلة ، ولو أن هذه الدولة قامت وفقا لإتفاقات أوسلو عام 1999 لتغير شكل العلاقة بإسرائيل، وما قد وصلنا لخيار الحرب المستمرة ، وألأمر الثانى وهو مرتبط بألأول إستمرار الإحتلال إلإسرائيلى ، وإستمرار الإستيطان على ألأراضى الفلسطينية مما أوصل الفلسطينيون إلى حالة من الإحباط السياسى ، وإنسداد أفق الحياة ، وهذا الإحباط أفسح المجال امام تنامى القوى الرافضة لأى خيار سياسى ، والتمسك بخيارالمقاومة المسلحة متناسين أن ألأرض الفلسطينية واحده ، والمقاومة واحده لا تتجزأ ، والشعب الفلسطينى واحد لا يمكن تجزئته، وافترض إن القرار الفلسطينى واحد أيضا ، وبالمقابل ادى تنامى قوى اليمين ، وقوى ألإستيطان ، وزيادة دور المؤسسة العسكرية في إسرائيل بقرار الحرب ، وتفضيله على خيار التسوية والسلام ، والبحث عن صيغ للتعايش المنبادل. 
وقد أدت سيطرة حركة المقاومة على قرار غزة إلى هيمنة خيار المواجهة العسكرية ، التى تعبر عن نفسها في نموذج الحرب الدورية كل أربع سنوات أو أقل كما حدث في الحرب الأخيرة التي بينها وبين الحرب الأخيرة سنتان. وقد أدت هذه السيطرة ، وحالة الإنقسام السياسى ، إلى فرض حالة من الحصار الشامل غير المبررة والغير شرعية على غزة ، وعدم إنسياب أو إنتظام فتح معبر رفح وهو الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجى ، وهنا تبرز بعض مظاهر العقدة السياسية والعسكرية التي تحكم صنع القرار السياسى في غزة ، وهو القرار الذى باتت تحكمه إعتبارات ومؤثرات غير فلسطينية ، فمن جهة تحكمه علاقة حركة حماس بمصر، وعلاقة حماس بالقوى الإقليمية والدولية ، وإرتباطها بحركة التنظيم الدولى للأخوان المسليمن ، هذه العلاقة المتشابكة والمتنافرة هى التي قد تفسر لنا في أحد أهم جوانبها الحالة في غزة ، وإستمرار خيار الحرب ، فعندما نشبت الحرب الثانية في عهد حكم الأخوان كانت العلاقات جيده مع مصر مما ساعد في وقف الحرب وقتها بد أسبوع ، وتوقيع أتفاق 2012 الذي لم تلتزم به إسرائيل. 
من ناحية أخرى ،بالإضافة للإعتبار الإسرائيلى الذي يتعامل مع غزة من منظور أمنى بحت ، وعلى إعتبار غزة منطقة أمن أولى لإسرائيل،وأى تطور لقدرات المقاومة الصاروخية لا بد وأن تواجهه إسرائيل بشن حرب جديده كل فترة زمنية تفوق قدرات غزة الحياتية ، ويدفع ثمنها المليونين نسمة الذين يبحثون عن حياة كريمه. هذه الحرب جاءت في سياق ومعادلة سياسية معقدة لا تعمل في صالح أى حرب على غزة ، وفى إمكانية الوصول إلى أى إتفاق ، فمن ناحية توتر العلاقات بين مصر وقطر وتركيا من ناحية في أعقاب خسارة حكم الأخوان في مصر وإعتبارهم تنظيما إرهابيا ، ومن ناحية اخرى توتر العلاقة إلى درجة التازم وعدم التفاهم بين حماس ومصرمن ناحية ، وبين العلاقات المتميزة بين حماس وقطر وتركيا من اخرى ، كانت نتيجتها الحتمية هو رفض المبادرة المصرية لوقف العدوان الإسرائيلى ، ولا أحد يجادل في شرعية المطالب التي تطالب بها المقاومة الفلسطينية بعد حرب دفع ثمنها الشعب الفلسطينى في غزة من حياة أطفاله ومسنيه وتدمير منازله، وتشريد أهلة في عملية نزوح تفكرنا بنزوح 1948، لكن هذه المرة إلى أين ؟ إلى داخل غزة المعرض كله لنيران إسرائيل، ولم توجد إلا المدارس لإستيعابهم في حالة تفتقر لكل معايير الآدمية ألإنسانية بعد أن فقدت غزة الحضن العربى والإسلامى والإنسانى . 
وهذا التعقيد السياسى يدفع ثمنه الشعب ، ويجعل القرار السياسى الفلسطينى وقرار المقاومة يخضع لمؤثرات وحسابات إقليمية ينبغى أن نتحرر منها ، ولا مجال هنا للمقارنة بين دور مصر وقطر وتركيا ولا أحد ينكر الدور التكاملى لهذه القوى لكن كيف ؟ ، وهذا يحتاج منا إلى مقالة أخرى ، لكن لا أحد يتجاهل إن القدرية التي تحكم علاقة مصر بغزة تفرض علينا مراجعة لهذه العلاقة ، بما يخدم المصلحة الفلسطينية ، وفى مقدمتها قرار المقاومة ايضا الذي يحتاج على مراجعة بعد الحرب بما يخدم المصلحة الفلسطينية ، ويتوافق مع المعطيات الجديدة التي ستفرزها الحرب. . 
المهم في كل هذا التوضيح الوصول إلى ما نهدف إليه وهو السؤال المشروع ، هل من حرب قادمة ؟ وهل من مخرج لوضع حد لخيار الحرب المتجددة علي غزة ؟وما هى السيناريوهات الممكنة مع التسليم بثبات المتغيرات التي تحكم الواقع السياسى في غزة ومن هذه المتغيرات الثابته قوة المقاومة وإستمرارها ، وتحكمها في قرار غزة حتى مع وجود حكومة مصالحة ؟ وقبل إستعراض هذه السيناريوهات لا بد من التأكيد على أن قرار الحرب في غزة قرار خاطئ، ولن يحل مشكلة العلاقة بين غزة وإسرائيل، ولن يحل مشكلة العلاقة مع السلطة الفلسطينية وعلاقات غزة الخارجية وخصوصا العلاقة مع مصر التي تحكمها القدرية والحتمية الجغرافية وألامنية،على جانب وامل اخرى.. فلا إسرائيل ستنجح مهما كانت قوتها فى إستئصال قوة المقاومة ، ولا المقاومة ستكون قادرة علي تحريرالأرض الفلسطينية من غزة ، ولا خيار الحرب هو الخيار الوحيد. وهذا يتطلب ممن يبحثون على توقيع إتفاق تهدئة أن يبحثوا في الجذور وليس في ألأعراض، ، نريد رفع الحصار وفتح المعابر وهى مطالب شرعية ، لكن أى ثمن سياسى سيدفع، وفى إطار أى من السيناريوهات ،. فلا احد يريد حربا أخرى لغزة . هذا هو السيناريو الرئيس الذي نريد معالجته في المقالة القادمة.  56
اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد