في الأسبوع المُنصرم لوحدهُ شهد قطاع غزة ثلاثة محاولات انتحار، كان أخرها قيام شاب  بحرق نفسهِ حتي الموت؛ وقبلها صعود شاب أعلي عمود للإرسال في مدينة غزة محاولاً الانتحار، وحالة أخري لشاب شنق نفسه في منطقة زراعية جنوب القطاع؛ وقضايا كثيرة من هذا القبيل لم نكن نسمع بها من قبل حتي في زمن الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة؛ وهذا يدق ناقوس الخطر؛ والأمر بحاجة إلى المراجعة، ووضع الحلول المناسبة من قبل أولي الأمر والمسؤولين في غزة والضفة ولا أستثني منهم أحدًا، لأن معظم محاولات الانتحار هي من جيل الشباب وهم في مُقتبل العُمر، ولقد تزايدت خلال الفترة الأخيرة حوادث الانتحار والتي تعتبر ظاهرة جديدة وغريبة على ثقافة الشعب الفلسطيني المناضل والمجاهد لنيل حريتهِ واستقلاله من الاحتلال الصهيوني.

هناك أربعة أسباب نفسية تدفع الأشخاص للانتحار، أبرزها الاكتئاب العقلي، وهو ذلك المرض النفسي الذى يشعر بمقتضاه المريض أنه السبب في كل المآسي التي يعانيها مما يجعله يعتقد بأن وضع حد لحياته سيضع حدًا أيضا لتلك المآسي أيضا" والسبب الثاني، يُعرف بـ"الاضطرابات الشخصية"، الذي يصيب شخصيات تعاني من الهشاشة النفسية عقب تعرضها لأزمة تعجز عن إيجاد حل لها، وهنا يفكر المنتحر في طريقة استعراضية ينهي بها حياته كي يلفت أنظار المجتمع إليه لأنه يحمل هذا المجتمع مسئولية ما آلت إليه أموره".  ، أما السبب الثالث، فيعرف بين أطباء علم النفس بـ"فقدان العقل" الذى يدفع المنتحر لإنهاء حياته كي يلفت نظر الناس لقضية يتبناها ويريد أن ينتصر لها لدرجة تفقده عقله وتجعله يقرر إنهاء حياته، كما فعل البوعزيزي في تونس والذي كان بمثابة شرارة ثورة الياسمين هناك في يناير  2011، حسب المصدر ذاته-  وأخيرا يأتي "الانتحار العاطفي" الذي يُقدم عليه أشخاص مروا بتجربة عاطفية مؤلمة وتكونت لديهم قناعة نفسية بأن حياتهم انتهت مع انتهاء التجربة العاطفية.ويشير (البحيري) أحد الباحثين المختصين من علماء علم النفس أن "احتمالية الانتحار تزيد عشرة أضعاف لدى الأشخاص الذين يعانون من "الاكتئاب العقلي"، وهو المرض الذي يصيب 1% من سكان العالم، وأوضح أن "معظم حالات الاكتئاب التي أشرف على علاجها ولديها أفكار انتحارية تمتنع عن تنفيذ هذه الأفكار؛ بسبب الوازع الديني ويقولون: "يكفينا عذاب الدنيا، لا نريد أن نعذب في الآخرة أيضا". ومن أجل "الحد من الانتحار في فلسطين عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا يرتبط بضرورة تحقيق العدالة الغائبة في فلسطين وخاصة في قطاع غزة، حيث أن الانقسام السبب الأساسي لتدمير مستقبل الشعب الفلسطيني وأعتقد أنه من دفع الكثير من الشباب للانتحار أو السفر عبر البحار ليلقوا حتفهم لأسماك البحر في رحلة المجهول، بسبب البطالة المنتشرة انتشار النار بالهشيم، والفقر المدقع؛ وغياب العدل والظلم المنتشر في كل مكان، ولو تكلمنا عن المحاكم والقضاة في غزة حدث ولا حرج؛ فمجموع القضاة قليل جدًا نسبةً إلى حجم القضايا الكثيرة! وأمام تلك المحاكم ألاف القضايا المُعلقة والتي تأخذ لحلها عشرات السنين بين مدٍ وجزر وغالبًا ما يكون صاحب الحق ضعيفًا إن لم يكن له مُستند أو دليل أو سندّ قوي؛ أو (واسطة) قوية والعكس صحيح للظالم إن كان لدية محامي مُخضرم في فن الخداع والتحايل  أنها لعبة الأقوياء وأصحاب النفوذ والسلطة والقرار والقوة والبطش مما يؤدي لأن يُقهر صاحب الحق أو يموت كمدًا أو غمًا وهمًا أو مُنتحراً إن كان ايمانهُ بالله عز وجل ضعيفًا؛ وتجد بعض أصحاب البطون المُنتفخة، ومنهم من تكرش حتي أصبح بلا رقبة، والحسابات الجارية في البنوك بالملايين، وليس عليهم حسيب أو رقيب!!! يقول لهم: أنت موظف مدني أو عسكري  بسيط أو ابن جهاز أمني أو فصيل أو تنظيم؛ وراتبك بسيط من أين لك تلك الملايين!!! في وقت تجدّ فيه بعض الناس يلتحفون السماء ويفترشون الأرض ولا معيل ولا ناصر لهم إلا الله عز وجل، وتجد ألاف الخريجين الجامعيين عاطلين عن العمل، وعمال بلا عمل، وعوائل بلا كهرباء ولا غداء ولا كساء؛ وتجد ربّ أسرة لا يجد قوت يومه وما يسد به رمق عياله فيصبح يفكر بالموت أو الانتحار المرة تلو المرة؛ حتي يتخلص من العيشة اّلمُرةّ وتجد العدالة الغائبة المُغيبة والكُل من أصحاب النفوذ والسلطان والأمراء وحكام الأمر الواقع، يتغنى بها ويتكلمون عن عدالة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبعض المتكلمون بالعدالة يعتلون منبر رسول الله صل الله عليه وسلم ويقولون الحق والعدل بألسنتهم وأفعالهم بعكس ما يقولون وما يعملون - ألا ساء ما يعملون!! ولا يتجاوز الايمان حناجرهم، والبعض من المنتفعين ومن مصاصي دماء الشعب من الظالمين ينتصروا من خلال الطرق الالتفافية الملتوية أو المحسوبية أو الواسطة بسبب ظلم من بعض أفراد يعملون هنا أو هناك ويستغلون نفوذهم قوتهم سواء كانوا في الأجهزة الأمنية أو المدنية أو التنظيم أو الحزب أو ابن  الفصيل أو الجناح العسكري الفلاني أو العلاني؛ وهذا غير خافٍ على أحد فالظلم طمّ وعمّ البلاد والعباد. ولو بقي الوضع في غزة هكذا حصار خانق ظالم ومُطِبق علينا ومحكم، مع جور ذوي القربي والبطالة والفقر المُدقع، وتنظيمات وأحزاب وفصائل كُلٌ يغني على ليلاه من أعلي سلم الهرم إلي حُكام غزة التي تغرق في الظلام والظُلم لمقبُلةٌ على ظاهرة "انتحار نفسي" بسبب قهر اجتماعي،  إزاء الأوضاع "المتردية" والمُتدهورة والصعبة والعقيمة والمأساوية جداً     .   هناك قاسمان مشتركان بين كل حالات الانتحار في غزة؛ الأول هو العوز والحاجة الشديدة والفقر المدقع والبطالة المنتشرة بين أوساط الشباب وانعدام الأمل وانسداد الأفق والرؤية المُظلمة للمستقبل؛ ونتيجة لتردي الأوضاع المعيشية وتدهورها (فالإنسان) حينما يكون إيمانهُ ضعيفًا وقد بلغت الروح الحلقوم والقلوب الحناجر والقهر والفقر والضغط النفسي وكل ما سبق  لا يجد سوى الانتحار بروحه ليحتج بها؛ وهي صورة احتجاج إنسانية معروفة في كل العالم تكررت كثيرا أمام السفارات ومبنى الأمم المتحدة، وكأن المنتحر يأبى إلا أن يرسل بموته رسالة احتجاجية لشعبه وحكومته ليحملهم المسؤولية أمام الله أولاً و أمام الشعب ثانيًا بأنهم السبب. إن الانسان الفلسطيني لا يملك إلا كرامتهُ وبدون الكرامة يشعر بأن الحياة قد أصبحت مُهينة وقد تحمل ذلك لسنوات الانقسام العجاف؛ لكنها وبعد تسع سنيين قاحلات ضاقت بأنفُسِهم ذرعًا؛ وأما القاسم الثاني فهو أن "المنتحرين غالبيتهم من الشباب؛ وذلك لأن هذه المرحلة العمرية مرتبطة بتحقيق الإنجازات والأمل والتفاؤل لتحقيق الذات، فإذا ما عجز الشاب عن تحقيق كل ذلك أصبح عمره دافعًا مثاليًا للانتحار.  لأن المكتئب بات يعاني من أسباب عامة تتعلق بالوضع الحالي في فلسطين وأهمها الانقسام والظلم والجور وانتشار المحسوبية والرشاوي والفساد وغياب العدل، وتفشي الظُلم؛ وبرغم ما قيل ويقال عن الانتحار وأسبابه ومسبباتهِ؛ فإن "الدين الإسلامي يفرق بين المنتحر عن عمد والمنتحر الذي يعاني من أمراض نفسية؛ كمن يصاب بمرض نفسي يؤثر على كيانه ويقدم على الانتحار فهو في هذه الحالة نرجو ألا يقع عليه العقاب لأنهُ مريض نفسي والله تعالي أعلي وأعلم بما في نفوسنا؛ أما المنتحر عمداً فينال عقابًا أخبر عنه من لا ينطق عن الهوي الصادق المصدوق  صل الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف قائلاً: (من تردى من فوق جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدا فيها مخلدا ومن ضرب نفسه بحديدة ليقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدا فيها مخلدا ومن تعاطى سُما فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدا فيها مخلدا) ما يعني أن المنتحر عن عمد بأي وسيلة كانت سيلقى هذا المصير السيء، وهو نار جهنم أعادنا الله وإياكم منها. ويعتبر تنامي ظاهرة الانتحار في صفوف الشباب مؤخرًا من ناحية، وبين رواج الإلحاد من ناحية أخرى، سببهُ الحقيقي الجهل "بمفهوم الإيمان الصحيح والذي لم يعد متمكنا من نفوس عدد لا بأس به من الشباب الغزي في فلسطين، بسبب غياب لغة الخطاب الديني المتزنة القادرة على الوصول لهذا الشباب وحتي لا نحمل الشباب أكثر مما يطيقون فعلي طرفي الانقسام تقع مسؤولية أخلاقية وإنسانية ووطنية ودينية أمام الله عز وجل في كل النكبات الي مازالت مستمرة بسبب الانقسام؛ وكذلك تتحمل المسؤولية كل الأطراف الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ودولة الاحتلال العنصري وأوروبا والدول العربية ميسورة الحال؛ لأن قطاع غزة يحترق ويختنق ويموت ويتنفس من خُرم إبرة دون أن يرحم شعب غزة أحد فهل هذه الانسانية والديمقراطية وهل هذا هو العدل الذي يتكلم عنه العالم؛ وللتنظيمات رسالة إما أن تحلونا وإما أن تحلوا عنا يكفي شعبنا مآسي وظلم وقهر وفقر وبطالة ومرض وجهل وتشريد وضياع ومستقبل مجهول؛ فليتقوا الله وليعلموا أنهم موقفون للسؤال أمام الله عز وجل عن الرعية! هل حفظوا حقوقها أم ضيعوها؟؛ إلي الرئاسة والأحزاب والفصائل والحكومة والتنظيمات: المسؤولين عن الشعب إنها أمانة؛ وإنها يوم القيامة خِزيٌ وندامةّ إلا من أدي حقها؛ فهل أنتم تعقلون وهل أنتم تعدلون؟ وهل أنتم ستتصالحون؟؟ اللهم إني بلغت اللهم فأشهد وعلى الظالمين تدور الدوائر يومًا ما! لأن الشعب قد ضاق بها الحال والمآل وفي وضع مأساوي وصعب للغاية؛ وبرغم ما سبق لا مبرر لأي انسان مسلم أن يقدم على الانتحار لأنه نفسه الأمارة بالسوء تدفعهُ إلى ذلك فليجعل من نفسه نفسًا مطمئنة ونفس لوامة إن فكرت بالشر ترجع وتتوب وتحاسب نفسها ولا تجعلوا أيها الشباب من أنفسكم أمارةً بالسوء – فإن كل تعب الدنيا ومشاكلها وهمومها لا يساوي غمسه واحدة في نار جهنم والعياذ بالله؛ فهل من يفكر بالانتحار فكر جليًا ومليًا أمام عقاب الله عز وجل الذي ينتظره؛ لأن النفس تلك لم تخلقها أنت وليست ملكًا خاصًا لك لتقوم بقتلها، مهما كانت الصعاب والظلم والفقر والظروف المعيشية الصعبة؛ فإن حدثك نفسك بالسوء فقل لها يا نفسُ توبي واتقي الله وارجعي عن التفكير العقيم والعمل السيء فإنك لا تقوين على الخلود في نار جهنم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد