في الوقت الذي كان فيه موفدو «فتح» و» حماس » إلى العاصمة القطرية، يخيبون مجددا أحلام وأمنيات الشعب الفلسطيني، في التقدم بخطوة عملية واحدة، على الأقل، على طريق إنهاء الانقسام، ولو بالاتفاق على تسلم حكومة السلطة مقاليد معبر رفح ، لفتحه بشكل يومي ودائم، مستمر وطبيعي، كانت أوساط السلطة تعلن عن تشكيل الوفد الأمني لمقابلة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لإبلاغه ببدء السلطة تحديد العلاقات مع إسرائيل. 
بشكل أكثر وضوحا وتفصيلا، المقصود، هو خفض سقف التنسيق الأمني، ومراجعة كل اتفاقات أوسلو، كما سبق و»هددت» السلطة بذلك أكثر من مرة، خاصة بعد عقد المجلس المركزي الفلسطيني، قبل اقل من عامين، وكما عاد موفدو «فتح» و»حماس» من الدوحة بخفي حنين، لم تسمح إسرائيل أو لم توافق على ما يبدو على استقبال الوفد الأمني الفلسطيني. 
في الحقيقة فإن أهم ملفين تابعتهما السلطة خلال العشر سنوات الأخيرة، هما ملفا إنهاء الانقسام الداخلي، والمفاوضات مع إسرائيل، وكثيرا ما كان يبدو للمراقبين بأن السلطة حين تتقدم في هذا الملف فإنها تؤجل ذاك، فالسلطة على أي حال لا يمكنها أن تتجاوز الإرث السياسي الفلسطيني، ولا حتى الثقافة السياسية العربية، حيث هناك ضعف في الإدارة المؤسساتية للملفات، على أي حال، الأمر الأكثر أهمية ـ برأينا ـ في هذه المناسبة، هو أن السلطة الفلسطينية تبدي «ترددا» في مواجهة بنود أو خطوط برنامجها السياسي، على أكثر من صعيد، فهي لا تكاد «تحسم» أمرا، ويبدو أنها كثيرة الحسابات السياسية الداخلية والخارجية، فبعد عدة سنوات من تحقيق إنجاز الاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، والفوز بعضوية دولة فلسطين في العديد من المنظمات والمؤسسات التابعة للمنظمة الدولية، ومنها محكمة الجنايات الدولية، ورغم أن السلطة هددت إسرائيل بالتقدم بأكثر من ملف على هذا الصعيد، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث حتى اللحظة.
بل إن مظاهر ترجمة القرار باعتبار دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، بدءا من إصدار جواز سفر دولة فلسطين ومنحه لكل فلسطيني أينما وجد أو أقام، كذلك نشر مظاهر وعلامات دولة فلسطين في كل مكان ممكن، لم يحدث على أهميته، ولو أردنا أن «نعدد» مظاهر التردد والبطء في تنفيذ الخطوات والإجراءات العملية، لقمنا بإعداد قائمة طويلة، لكن المهم هو الفكرة، بحيث يبدو أن السلطة تتبع سياسة الهدوء ومحاولة تحقيق الإنجاز دون صخب، ودون جلبة إعلامية، عملا بالمثل بأنها تريد العنب ولا تريد مقاتلة الناطور. 
في الحقيقة فإن الحالة الفلسطينية تراوح مكانها منذ وقت طويل، كما هو حال الشأن العربي والإقليمي، عموما، بسبب تراجع قوة الإسناد الدولي، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، ومنذ فتح المجتمعات العربية، وتراجع تأثير حتى القوى الإقليمية المؤيدة للقضية الفلسطينية، وظهور قوى تؤيد احد وجوه تلك القضية، أو احد اتجاهاتها السياسية، وليس تأييد الفلسطينيين بالجملة.
لذا فإن حالة الشقاق الداخلي ما زالت قائمة، وخلال نحو عشر سنوات، شكلت معضلة داخلية، ومصدر ضعف داخلي، يجعل من الصعب على الكل الفلسطيني أن يحقق إنجازا داخليا أو سياسيا خارجيا.
التردد مع ذلك الذي نلاحظه في أداء أو قرارات السلطة والقيادة الفلسطينية، يتمثل في عدم التقدم بعقد اجتماعات ومؤتمرات المؤسسات المركزية الفلسطينية، فعقد المجلس الوطني ـ مثلا ـ يمثل ضرورة ديمقراطية، من اجل بث الحيوية والتجديد في هذه المؤسسة بالغة الأهمية، وليس فقط من اجل «التهديد» بوقف العمل أو حتى إلغاء اتفاقات أوسلو، كذلك عقد مؤتمر حركة فتح، وكل الاتحادات الشعبية الفلسطينية، حيث يبدو أن كل شيء بات شائخا، وباتت مظاهر تجديد الحياة العامة تكاد تكون معدومة.
فخلال عشر سنوات مضت، لم نسمع عن فصيل أو نقابة أو اتحاد شعبي قد عقد مؤتمره العام، أو قام بمراجعة سياسية شاملة، أو حتى انه «جدد» قيادته، وكأن كل شيء عندنا بات للأبد، وان مظاهر العمل الفردي وبذور الاستبداد باتت منتشرة في كل مكان. 
هناك حراك شبابي، في الوقت الذي يواجه فيه الاحتلال الإسرائيلي، فإنه يوجه رسائل متعددة الاتجاهات للواقع الداخلي الفلسطيني، مفادها، أن الحالة العامة الفلسطينية بمؤسساتها الرسمية والفصائلية، وحتى في التقليدي من المستوى الشعبي «الاتحادات الشعبية والنقابات» هي حالة شائخة، وهي تنتمي للماضي، وهي غير قادرة على الإجابة عن استحقاقات الحاضر فضلا عن المستقبل، لذا لابد من مغادرة «مربع» التردد والتحفظ، ولابد من اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة، تلحظ ليس التغير في الواقع وحسب، بل تضع فلسطين والفلسطينيين على خارطة مستقبل المنطقة والعالم، قبل فوات الأوان.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد