2014/07/19
184-TRIAL-
قد يمر وقت اضافي عصيب، ومزيد من الرياح الصفراء، قبل ان ينجلي المشهد الفلسطيني عن متغيرات واقع ما بعد الحرب العدوانية الاسرائيلية الآثمة على شعبنا الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة ، الذي يواصل تقديم ملحمة صمود وتصدِّ نادرة في تاريخ هذا الصراع المديد، بين قوة عمياء أسيرة غطرسة القوة العسكرية المجردة، وبين شعب يكاد ان يكون اعزلاً، الا من ايمانه العميق بربه وبحقه في الخلاص من الاحتلال البغيض، ونيل حريته واستقلاله اسوة بكل الشعوب.
ستنتهي هذه الحرب العدوانية التدميرية البشعة، آجلاً ام عاجلاً، شأنها في ذلك شأن كل الحروب والمواجهات السابقة، وستطرح عند ذلك اسئلة كثيرة عن مآلات هذا العدوان وتثار مساجلات لا حصر لها بعد ان ينقشع غبار الحرب، ليس في الاطار العربي والدولي فقط، وانما في النطاق الداخلي الفلسطيني، وهو ما يدعونا في هذه الآونة، الى التحذير سلفاً من مغبة الوقوع في عدد من المحظورات، التي بدأت تطل برأسها منذ الآن، وتهدد بحرف الحوار عن مجراه الصحيح.
لعل اول هذه المحظورات تتمثل في السماح بترك المجال، مهما كان صغيراً، امام نوبة جديدة من تبادل الملامة، ناهيك عن الاتهامات بين قوى العمل الوطني الفلسطيني كافة، على خلفية ما جرى في قطاع غزة، ومن ثم تبادل كرة المسؤولية بيننا عما وقع، وما فشلنا في تحقيقه من اهداف سياسية، ينبغي لها ان توازي ما تم بذله من بطولة وصمود اسطوري، وما تم تحقيقه مما يشبه المعجزات في ميدان الصراع.
يقابل ذلك محظور احتكار الابوة الحصرية لهذا الانجاز غير المسبوق، والادعاء بأنه فعل يد وحدها دون غيرها من الايادي الاخرى، التي أسست وأسهمت في التأسيس لهذا الفعل التاريخي، وعملت كل ما في وسعها لتقليل حجم الخسائر، ومداواة الجراح، وتأمين متطلبات الصمود، وادارة المعركة السياسية، التي لم تكن اقل قسوة من المعركة التي جرت بالحديد والنار.
واحسب ان العلاج الناجع، ان لم اقل العلاج الوحيد الشافي الآن من مثل هذه الامراض التي تقع داخل الصف الوطني في بعض الاحيان، هو التمسك بحكومة الوفاق، وعدم السماح بحدوث اي تشقق او ارتداد عنها وعن المصالحة الوطنية تحت كل الظروف، فمثل هذا المكسب الوطني الذي تحقق عشية العدوان الاخير، ينبغي ان يظل هو الثابت الرئيس وسط كل كل المتغيرات التي خلقها هذا الصمود العظيم امام آلة حرب فتاكة تعمل بلا روادع اخلاقية.
بل ينبغي علينا، ان نعمل سريعاً، ليس فقط على التمسك بهذا المنجز السياسي المتمثل في حكومة الوفاق الوطني، وانما ان نسعى دون تردد او تأجيل، الى تعزيز حكومة الوفاق الوطني هذه، بكل الروافع القادرة على الارتقاء بها الى المستوى اللائق بكفاح هذا الشعب المناضل، بما في ذلك تطوير وتوسيع هيكل الحكومة، وجعلها اكثر قدرة على التعبير عن مختلف المكونات الفلسطينية، وزيادة مناعتها الذاتية امام كل الاخطار وإستكمال مهمتها المحددة في الاعداد للانتخابات المتفق عليها.
وقد يكون من محظورات هذه المرحلة العصيبة، الوقوع في فخاخ اسرائيل التكتيكية، بما في ذلك الكمائن السياسية المميتة، وعدم منح الذئاب الاسرائيلية الجريحة مسوغات الاستفراد بشعبنا في القطاع المحاصر، للاستمرار في عملية تدمير ما تبقى من البنية التحتية، وغيرها من عوامل الصمود والمقاومة، وهو امر كان مبيتاً، تحينت حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف تحقيقه، تحت زعم الدفاع عن النفس، وادعاء الرد على هجمات الصواريخ.
علينا الا نخسر الصورة التي انجزتها هذه المعركة، كشعب يحسن الدفاع عن نفسه بكرامة، ويدفع بدمه ثمن حريته وكرامته بكل بسالة، وذلك بأن نجيد قراءة الواقع الموضوعي، وان نتعاطى معه بكياسة وشجاعة وقدرة على تعزيز وحدتنا الوطنية على قاعدة برنامج سياسي وطني (برنامج منظمة التحرير الفلسطينية) وتعظيم مكاسبنا على صعيد الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي والمنظمات والمعاهدات والهيئات الدولية، والعمل المدروس والمتواصل لكسب المزيد من الرأي العام الدولي، الذي بدأ يضيق ذرعاً بعنجهية اسرائيل، ووحشية اعتداءاتها على المدنيين من اطفال ونساء، فنحن اليوم نعيش في عصر الصورة، ومن يكسب الصورة قد يكسب الحرب في نهاية المطاف.
على ان اشد المحظورات خطراً علينا في هذه المرحلة، التي يجب فهم معطياتها بكل وعي وادراك، هو فتح مزيد من الخلافات مع الجوار العربي، ومحاولة تصفية الحسابات الجزئية المترصدة لدى هذا الطرف او ذاك، واخص هنا شقيقتنا الكبرى جمهورية مصر العربية، التي راحت بعض السهام المسمومة ترشقها من هنا وهناك، وتتهمها بالتآمر على المقاومة، وهو امر مرفوض ومن شأنه ان يثقل علينا في هذه الآونة المفتوحة على اشد الاخطار، دون ان يكون لذلك اي مردود على الاطلاق.
ومع ان هناك سلسة طويلة من المحظورات والمحاذير التي ينبغي ان نفتح عيوننا عليها منذ الآن، الا أن ما يقف على رأس هذه المحظورات هو تجنب مظاهر الانانية السياسية وبالتالي تعريض هذه التضحيات الجسيمة، وهذا الاداء البطولي المتميز، الى خطر الذهاب سدى والضياع، وذلك اذا ما سمحنا لانفسنا بحرف اتجاه البوصلة، وانشغلنا عن الهدف الرئيسي بأهاف ثانوية صغيرة، وتسديد فواتير سياسية مؤجلة، احسب ان اوانها لا محل له اليوم، ولا في مقبل الايام. 239
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية