مرة أخرى تتجدد جهود المصالحة، أو بالاحرى إنهاء الانقسام، وقد دخلت على الخط هذه المرة، وهي ليست الأولى، دولة قطر، وبنفس الآلية التي سبق وان رعتها، وهي التحضير لاجتماع يضم الرئيس أبو مازن مع رئيس حماس خالد مشعل، وقد تم تعديل ذلك من خلال لقاء لوفدين من فتح وحماس ربما يتبعه هذا اللقاء الذي تريده دولة قطر.

لا يوجد وطني فلسطيني أو محب لفلسطين إلا ويرغب في ان ينتهي هذا الانقسام المدمر، وهو قد دمر بالدرجة الأولى التجربة الديموقراطية الفلسطينية وهبط بها إلى الحضيض، وباسم الانقسام توفر المناخ للانقضاض على هذه التجربة من كل كاره لها، وبسبب ذلك يتجمد ويتكلس النظام السياسي برمته، ويصطدم كل مسعى للخروج من هذا المأزق بالعثرات المختلفة.

وبدلا من المعالجة الشاملة بتنا نواجه الجزئيات وتجليات الصراع حولها، ويتنقل أثرها من تفاصيل الواقع الداخلي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إلى رحاب الواقع الوطني العام، الذي هو الضحية الأخرى للانقسام، ليس فقط بسبب عدم توحيد الجهود وحشدها من اجل التحرر الوطني، ولكن أيضا لان مجرد الانقسام واستمراره يشوش هدف الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، وقد شهدنا تجليات ذلك في مبررات لجنة مجلس الأمن التي بحثت طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، كما شهدناه في بعض المقترحات التي تربط تنفيذ أية اتفاقات إذا ما تمت أصلا بمعالجة وضع غزة ، والى غير ذلك من المواقف المباشرة التي تطرحها إسرائيل بهذا الخصوص.

أما المأساة الكبرى الأخرى للانقسام فهي تتجلى في الواقع الذي يعيشه أبناء قطاع غزة، وهو واقع محزن ومأساوي ولكنه أيضا واقع معيب تسقط أمامه أية ادعاءات بالحرص على مصالح الشعب.

كيف يمكن رؤية تنامي التمييز والتخصيص لواقع أبناء غزة كما لم يكن عليه حتى بعد النكبة سواء في تنقلهم أو تعريفهم أو التعامل معهم، هذا بالإضافة إلى واقع حياتهم المر اليومي دون كهرباء وفي ظل مياه ملوثة، وتحت سقف الفقر والفقر المدقع والبطالة، وفي ظل تنامي كل أشكال السيطرة والتسلط والتجهيل، والقهر . هذا ليس قدرا للمقاومة، فالمقاومة ليست بجديدة على غزة، لا قبل عدوان 67 ولا بعده، ولا قبل الانتفاضة عام 1987 ولا بعدها، ولا حتى قبل حروب إسرائيل على غزة أو بعدها، لكنه قدر للأنانية الفئوية والسياسية الضالة، وللانغلاق عن رؤية المشهد الأكبر الذي يسلخ غزة ومستقبلها عن مستقبل الضفة الغربية، وعن المستقبل الوطني العام وعن مستقبل الدولة الفلسطينية المنشودة.

وهو قدر للمساعي المحمومة الإسرائيلية لإجهاض المشروع الوطني من جهة، وللمساعي المحمومة الأوسع من جهات مختلفة لتدمير التجربة الديموقراطية الفلسطينية وتحويل التجربة الفلسطينية التي شحنت عقول وقلوب اجيال واجيال في المنطقة وداعبت افكارهم وطموحاتهم، إلى تجربة عاجزة تحاكي ما هو قائم من تغييب الديموقراطية والحريات، ومن التطرف والجهل والتمييز، ومن الإغراق في التبعية وإعادة إنتاج وتوسيع مفاهيم (إغاثة وتشغيل الفلسطينيين).

من أجل كل ذلك يجب ان ينتهي الانقسام، ومن الواضح مسؤولية ذلك يحملها بالاساس القائمين عليه ، هذا إذا ما تم  ذلك فعلا فهو ليس مصدرا للتباهي بقدر ما هو نوع من التكفيرعن الذنب، إلا ان إنهاء وتغيير هذا الواقع الذي ولده الانقسام، فانه المهمة الأصعب والتي من الواضح أنها ستغطي المشهد لسنوات، وهي بالتأكيد ليست مهمة أوغاية القائمين على الانقسام، بل مهمة ضحاياه من كل حدب وصوب. 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد