قبل يومين، جاء قرار المحكمة العليا الإسرائيلية فيما يخص الإفراج عن الزميل الصحافي المضرب عن الطعام محمد القيق، ليؤكد تساوق مؤسسات "العدالة" الإسرائيلية مع سياسات الحكومة الإسرائيلية العنصرية، وإن اختلفت الأدوار التي تلعبها تلك المؤسسات.
المخابرات والقوات الإسرائيلية تعتقل.. والمحاكم العسكرية تلبّي شروط الادعاء.. والحكومة الإسرائيلية تقدم مساندتها لكل ما هو أمني.. وأخيراً يؤكد القضاء الإسرائيلي دورانه في فلك السياسة الإسرائيلية، وإن حاول في بعض الأحيان الخروج عن هذا النسق بطريقة تكتيكية وليست استراتيجية.
محامو الأسير الصحافي القيق المضرب عن الطعام منذ أكثر من شهرين توجهوا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية بطلب للإفراج عنه بسبب تدهور حالته الصحية والتي تنذر بكارثة خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
قضاة محكمة الاحتلال ثبّتوا الاعتقال الإداري بحقه بناءً على "الملف السرّي" الذي لا يوجد له مثيل في العالم؛ فكل مسجون في العالم بصرف النظر عن سبب سجنه يحق له ولمحاميه الاطلاع على التهمة الموجهة إليه، ولكن في بلاد الديمقراطية العبرية، التهم سرّية، ولا يحق لأحد الاطلاع عليها سوى القاضي... وله أن يصدق أو لا يصدق... ولكن في كل المرات "الشاباك" هو الصادق والمصدق ولو كان كاذباً بامتياز... ومن يستطيع أن يكذبه؟
المرة الوحيدة التي دخلت فيها هذه المحكمة عندما كانت جلسة النظر في قضية إبعاد أحد المناضلين البارزين في الأرض المحتلة، وذلك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي... عندها تأكّدنا كم هي مهزلة مثل هذه المحاكم... الادعاء العسكري يحمل صناديق يدّعي أن فيها أكثر من 450 ملفاً أمنياً سرّياً... ولا ندري إن تمكن القضاة من قراءة هذه الملفات وماذا يوجد فيها؟... حينها اختلط جو الفكاهة مع الدراما... بحيث كانت النكتة سيدة الموقف؛ لأنه لو احتاجت المخابرات الإسرائيلية إلى أن تنجز ملفاً أمنياً كل شهر لاحتاج الأمر إلى 500 شهر دون توقف بما معدّله 50 عاماً، ولو افترضنا أن عمر مناضلنا (35 عاماً) في حينه، فإن الملفات الأمنية كانت تكتب قبل ولادته بـ 15 عاماً؟! إذن هي مهزلة القضاء الإسرائيلي والملفّات السرّية التي لم تتوقّف خلال العقود الماضية.
بالنسبة للزميل القيق، التهمة الرئيسة هي التحريض، ما يعني عمله الإعلامي، وحتى قبل أسبوع كانت المخابرات الإسرائيلية تناور للحصول على اعتراف بالتحريض مقابل الإفراج عن القيق... بمعنى صبغ العمل في مجال الإعلام الفلسطيني بالإرهاب والتحريض، وهي تهمة بالغة الخطورة، قد تنسحب على مئات الصحافيين الفلسطينيين.
فيما بعد... علمنا أن مفهوم التحريض الإسرائيلي مطّاط إلى درجة اللامعقول.
العليا الإسرائيلية تثبت مطالب المخابرات بالاعتقال الإداري، وتزيد الأمور سوءاً عندما تطالب بتقارير طبية حول وضع القيق الصحي لاتخاذ قرار يستند إلى ما يقوله الأطباء... على الرغم من أن الوضع الصحي للقيق حسب المستشفى الإسرائيلي شديد الخطورة!!
إذن ما التقرير الذي تريده محكمة الاحتلال؟ هل تريد أن يصدر تقرير طبي يفيد بأن القيق دخل في غيبوبة كاملة أو موت سريري حتى تستجيب لطلب الإفراج عنه؟!
الأخطر مما سبق هو حجم التفاعل الجماهيري مع الزميل القيق، فهو دون الحد الأدنى المطلوب وبشكل خاص من الأحزاب والقوى التي لم تتمكن حتى اليوم من تسيير مسيرة جماهيرية واحدة ذات أثر ضاغط على سلطات الاحتلال.
أيضاً، المستوى السياسي الفلسطيني مازال تحرُّكه بطيئاً جداً في هذا الموضوع، على الرغم من أن تبعاته في أسوأ الأحوال، سيكون له أثر مهم بشكل مباشر سياسياً... المشكلة تكمن أن قضية القيق لم تعد قضيته شخصية، بقدر ما هي قضية ذات طابع جمعي، أي أن كل فلسطيني هو في حقيقة الأمر متأثر بهذه القضية، وأبعادها المستقبلية على الأسرى في سجون الاحتلال.
من الواضح أن القرار الإسرائيلي هو اغتيال متعمّد مع سبق الإصرار للزميل القيق الذي لم يبقَ أمامه وقت طويل... وهو مازال مصرّاً على موقفه... ولكن، أيضاً، يبدو أن الوقت يضيق أمام الجماهير الفلسطينية التي أصبح عليها واجب التحرك لمواجهة الصلف الإسرائيلي، دون ذلك سنكون حققنا بجهلنا، أو تخاذلنا مع ما يرغب به الاحتلال... وهو وقف ظاهرة المقاومة بالأمعاء الخاوية...!!.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية