2014/07/16
290-TRIAL-
كان مروعا «حصار لينينغراد». استمر سنتان ونصف السنة، اودى بحياة مليون ونصف المليون من سكان المدينة. بدأ عام 1941 عندما استكملت القوات الألمانية الخاصة تطويق المدينة. فقد اتخذ الزعيم الألماني هتلر قراراً استراتيجياً لخنق المدينة بدلا من تخصيص موارد عسكرية قيمة لمواجهتها مباشرة.
أصبح الجوع والبرد أكبر أعداء المدينة استنفدت امدادات النفط والفحم، فتجمدت المياه وانكسرت الأنابيب، وحرم السكان من المياه الصحية، وجزئ نصيب الفرد من الامدادات الغذائية الى الثلث. واختفت الكلاب والقطـــــط والخيول وحتى الغربان من المدينة، لأنها أصبحت الطـــبق الرئيسي للعائلة، وانتشرت التقارير بوجود أكلة لحوم البشر.
حرق السكان الكتب والأثاث لإبقاء الدفء. كانت تستهلك الحيوانات من حديقة الحيوان في مدينة الحصار في وقت مبكر، ثم الحيوانات الأليفة المنزلية، تم كشط لصق ورق الحائط المصنوعة من البطاطا خارج الجدار، وكانت تغلى الجلود لإنتاج هلام صالح للأكل، تم طهي العشب والحشائش، وعمل العلماء لاستخراج الفيتامينات من إبر الصنوبر.
مات حوالي أحد عشر ألفا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ثم ارتفع العدد الى 53000 ألفا في ديسمبر/كانون الاول وعند انتهاء الحرب كانت حصيلة القتلى قد تجاوزت 1500000 مع ما يقرب من 4000 شخص من لينينغراد يتضورون جوعا حتى الموت في يوم عيد الميلاد عام 1941.
وتناثرت الجثث في الطرقات والحدائق، ولم تدفن لانخفاض حرارة الأرض الى درجة الصقيع مع استمرار القوات الألمانية في قصف المدينة، وبعض الناس أصيب فعليا بالجنون من الجوع.
حصار لينينغراد يعتبر الحصار الأكثر تدميراً في العالم، وبعض المؤرخين يصفون عمليات الحصار، بـ»سياسة التجويع لدوافع عنصرية» التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحرب الألمانية، لم يسبق لها مثــــــيل من إبادة ضد السكان من الاتحاد السوفييتي عموما. هذه الصورة الدرامية البشعة قد يعتبرها القارئ شيئا بعيداَ حدوثه في قطاع غزة أو في الضفة الغربية الآن أو مستقبلا، ولكن دراما الحرب السورية والعراقية أيضاً لم تكن في مخيلة أحد من البشر، فبعد أن تعود المواطن العربي سنوات في مشاهدة الاعلام الدولي مصورا له المجازر في سوريا والعراق على أنها قصة تعيد نفسها كل يوم على شاشات التلفاز، ليتم التنويم المغناطيسي لعقله ومشاعره، فتمل بالتالي نفسه من سماع ومشاهدة السيناريو نفسه والمقاطع نفسها المتكررة.
وتَعزز هذا التنويم المغناطيسي بالسياسة الدولية في دعم كل طرف من جانب الصراع الطائفي على حدة حتى لا يتغلب أحد منهم على الآخر، فتستمر القصة المعادة يوميا بدون تغيير في المقاطع أو المشاهد. فعندما يتفوق أحد أطراف الصراع الطائفي على الآخر، أو يستولي على أسلحة وعتاد كما حدث في سورية والعراق، تستنفر القوة العالمية واعلامها، حتى لا يتغير التوازن ولا يثار المشاهد بمقاطع سينمائية جديدة قد تغير من احباطه المستمر أو مشاعره المخدره.
وكما قال نتنياهو»إذا حاربت أعداءك فلا تدعم احدهما على حساب الآخر، بل أضعف كليهما». أما الاعلام الغربي.. فهو أيضاً يعمل ليل نهار سنوات على هذا التنويم المغناطيسي المستمر للمواطن. فيظهر صورة الفلسطيني الذي يطلق الصواريخ على المواطن الاسرائيلي المسالم، ارهابيا، حتى المستوطن هو مسكين لدرجة أن مذيعة ألمانية كادت تبكي عندما قتل المستوطنون الثلاثة.. بدون حتى السؤال عن أسباب وجودهم في أراضي الغير، او عن اعتداءاتهم على الشعب الفلسطيني بالقتل المتواصل وارهاب المواطنين، أو حتى إجراء بحث صحافي عن الأدلة التي لم تظهر حتى اليوم. فالدولة الديمقراطية الاسرائيلية ليس فقط لم تعثر على الجاني قبل الحكم بالإعدام على شعب باكمله، ولم تكن حتى اكتشفت موت المستوطنين، بل لم تجر أبسط التحقيقات الجنائية الطبيعية في أي دولة ديمقراطية. وعمل الاعلام الغربي منذ عقود أيضاً على إظهار الحرب بين الفلسطينيين والاسرائيليين على انه عنف متبادل لقوة متساوية متكافئة.
ومن مظاهر نجاح هذه المعركة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني أنها تقوم في قلب شهر رمضان بدون أي رد فعل من العالم العربي والإسلامي.
الكثير من إعلام بلدان المنطقة فقد الوعي قصداً، حتى لا يتهم أنه كان شاهداً على على شيء أو مسوولاً عنه حين كان في غيبوبة.
إذن بعد أن تفوقت اسرائيل عسكريا واقتصاديا، وأصبح العالم لا يسألها عما تفعل، بل وتبنى سياستها في الخداع والتنويم المغناطيسي للعالم أجمع إعلاميا، ليعتقد العالم كله أن الفلسطينيين هم الارهابيون وإسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، وأن أطفال فلسطين الموتى ما هم إلا أشلاء استخدمت دروعا بشرية من قبل المقاومة الفلسطينية، أصبحت الطريق ممهدة لإحداث الدمار الشامل للشعب الفلسطيني، يتيح لإسرائيل ليس فقط إنهاء القضية الفلسطينية الى الأبد، خاصةً أن القضية الفلسطينية ككل متمثلة في الحراك الدبلوماسي الدولي والسياسي وادراك شعوب العالم بصورة أوضح عن حقيقة الاحتلال والصراع، أصبحت عائقا للتمدد الاسرائيلي والهيمنة على المنطقة، واطلاق جناحي إسرائيل والتحليق بهما عاليا على المنطقة كلها، المشغولة بتمزيق نفسها إربا بالطائفية، والخناق على السلطة المتقلصة حجماً باستمرار، بعد أن كانت دولاً لها وزن وقوة إقليمية ودولية.
وليس غريباً أن نرى الفيديو الخاص بقناة روسيا، الذي أظهر البلاغة والحكمة والاندفاع المستشرس للمذيعة للامريكية في فضح حقيقة الاجرام الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني على جميع صفحات التواصل الاجتماعي في لحظات، ويسألون الغير بنشره للغرب حتى يعرف الحقيقة، لان العالم في أشد الحاجة إلى الوسائل والقدرات لإفاقة البشرية من التنويم المغناطيسي القاتل للحقيقة والإنسانية.
اليوم تأتي معركة غزة بعد أن أعدت المشاعر المغيبة والعواطف الميتة لتقبل الحرب على القطاع ولينينغراد الثانية بالتاريخ.
فهل يصل قطاع غزة حد المجاعة؟ أم هل تفقد الناس عقولها من استمرار القصف الذي وصل الى ألف غارة جوية وتدمير الآلاف من المنازل وأكثر من عشرة آلاف مشرد، طبقا لتقارير الأمم المتحدة؟
الجواب ممكن إذا طالت مدة الحرب، وبدأ المواطن الإسرائيلي فقدان أعصابه، واستمرت حماس في عدم الاستسلام ورفض الشروط الاسرائيلية.
فهل من منقذ شجاع عربي أو أعجمي ليحطم معبد الكذب والافتراء على شعبنا الفلسطيني المظلوم الذي اتهم بكل أنواع الجريمة رغم براءته، وعانى من كل أنواع العذاب حتى كاد يصبح راهبا، خاصةً أنه على مقربة من أسوأ حصار وكارثة.
في يناير/كانون الثاني عام 1943، حطم جنود الجيش الأحمر الخطوط الألمانية، تمزق الحصار وخلق طريق إمدادات أكثر كفاءة على طول شواطئ بحيرة لادوغا. لبقية الشتاء، و»طريق الحياة» عبر بحيرة لادوغا المتجمدة ابقت لينينغراد على قيد الحياة. في نهاية المطاف، كان قد وضع خط لانابيب النفط والكابلات الكهربائية على سرير البحيرة. في صيف عام 1943، زرعت الخضروات على أي أرض مفتوحة
في أوائل عام 1944، اقتربت القوات السوفييتية من لينينغراد، مما اضطر القوات الألمانية على التراجع جنوبا من المدينة في 27 يناير. وكان الحصار قد انتهى.
8
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية