لو أن الأمر اقتصر على اندلاع الثورة في تونس، التي اندلعت بعد إشعال الشهيد محمد البوعزيزي النار في جسده، على تلك الثورة، بل لو أن الأمر اقتصر على إسقاط نظام زين العابدين بن علي، ولم تتحول الثورة المدنية التونسية إلى ملهم للشعوب العربية خاصة في جوار تونس (ليبيا ومصر) وتحديدا في مصر حيث كسرت الثورة حواجز الرعب من أنظمة حكم الفرد المستبد، وينجح ما سمي الربيع العربي، بعد شهر من إسقاط بن علي وبعد نحو شهر ونصف الشهر من اندلاع ربيع تونس في إسقاط حسني مبارك، لما حازت ثورات الربيع العربي على كل هذا الاهتمام.
يمكن القول، إنه بعد النجاح المبكر والسريع للثورة في كل من تونس ومصر وبإرادة شعبية، تعثر الأمر واحتاج إلى عملية عسكرية قيصرية شارك فيها الناتو لإسقاط معمر القذافي بعد فترة طويلة، ثم ورغم حدوث حالة توازن ميداني في سورية، إلا أن نظام بشار الأسد لم يسقط رغم أنه فقد السيطرة على نحو ثلثي البلاد، وتشريد نصف الشعب، ومقتل أكثر من ربع مليون لم يخسرهم العرب مع إسرائيل طوال حروبهم معها.
المهم أنه في الإجابة عن سؤال ماذا تحقق وماذا تغير خلال خمس سنوات مضت، يمكن القول إن ما حدث في ليبيا وسورية لا يعد إلا بالسالب، فليبيا فقدت مركزية الدولة وهيبتها، كذلك فإن الجماعات التي تحكم ميدانيا لا تقل فاشية عن نظام حكم الفرد المستبد السابق، وما حدث في سورية لا يقل سوءا عما حدث بليبيا، فالبلاد مقسمة بين نظام مستبد وداعش إجرامي وجيش حر في أحسن أحواله لو حكم سيتحول إلى نظام عسكري يجدّد نظام البعث، ونصرة قاعدية لا تقل عن داعش ببطشها إلا في الدرجة، أما اليمن فيسعى للخروج من حرب أهلية دمرت اقتصاد البلاد الضعيف، وبالكاد تحاول درء حرب طائفية لا تقتصر على اليمن بل تتعداه لعموم الجزيرة العربية والخليج. 
رغم التشابه في الانتقال السلمي، وعدم سقوط ضحايا تذكر في تحولين حاسمين للسلطة خلال السنوات الخمس التي مضت في كل من تونس ومصر، نقصد سقوط نظامي بن علي ومبارك أولا ومن ثم سقوط نظامي النهضة والإخوان، إلا أن مظهر الانتقال المدني في تونس كان أعلى منه في مصر، فقد تحول الحكم في البلدين انتقاليا.
في تونس انتقل الحكم حسب الدستور لرئيس البرلمان، أما في مصر ورغم انتخاب نائب للرئيس على عجل، إلا أن الحكم الانتقالي كان من نصيب المجلس العسكري. وثانيا عند التحول عن حكم الإخوان والنهضة، كان انتقال الحكم تداولا حقيقيا وديمقراطيا في تونس ولصالح حزب مدني، في حين رفض إخوان مصر انتقالا أو تداولا للحكم، بل رفضوا الشراكة أولا  وتبكير الانتخابات ثانيا. 
ورغم حجب أكثر من 25 مليون ناخب، أي أكثر من نصف الناخبين وأكثر من ضعف المصوتين ل محمد مرسي العياط، للثقة عن الرئيس الذي كان قد انتخب قبل نحو عام من 30 يونيو 2013، إلا أن مصر احتاجت للجيش حتى يفرض إرادة الأغلبية الشعبية. 
خمسة أعوام وكأن مصر ما زالت في مرحلة انتقالية، ليس لأن آخر بند من خارطة الطريق، نقصد انتخابات مجلس الشعب قد جرت للتو وحسب، بل لأن الأمر يبدو وكأنه محاولة لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، مع تجديد نظام الحكم العسكري، حيث يبدو أن مصر ما زالت تعشق العسكر، من منتصف القرن العشرين والى الآن. 
فلم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسي إلا رجلا عسكريا تدرج منذ العام 2013 من فريق إلى فريق أول ثم إلى مشير، وظل يحكم منفردا نحو عامين ونصف العام كان نصفها تقريبا من وراء كواليس المستشار عدلي منصور ثم النصف الآخر كرئيس منتخب.
التطور المهم والذي لم يختبر بعد، تمثل في الدستور الجديد الذي نص على تحديد ولاية الرئيس مرتين متتابعتين، وهذا يعني أنه حتى يمكن اللجوء إلى حيلة بوتين/روسيا، أي يمكن العودة بعد الولايتين برئيس «خيال مآتة» أو رئيس «محلل» عابر أو مؤقت أو ذي مهمة محددة، والعودة مجدداً لولايتين جديدتين، وحتى أنه يمكن خلال الفترة نسخ الدستور أي بإقرار دستور آخر.
كذلك تقوية البرلمان الذي يظل ضعيفا وغير قادر على مواجهة إرث استبداد السلطة التنفيذية بسبب الطبيعة القروية والجهوية أو المناطقية للنواب، بسبب ضعف الأحزاب رغم النظام المختلط الانتخابي، وربما يتم إلغاء الفئات، وبالتالي منع وجود حياة سياسية حزبية فاعلة، فحين لا تكون هناك كتل برلمانية حزبية فمن المستحيل الحديث عن تداول سلطة. 
تفكر مصر في النهوض الاقتصادي لأنها تدرك أن أساس الضعف العام وأس المشاكل هو في نهب الثروة القومية بالفساد البيروقراطي، لذا نجحت في توسيع قناة السويس، وتفكر في استخدام الطاقة النووية لتوفير الطاقة، خاصة مع مشاكل سد النهضة وتأثيره على كهرباء السد العالي.
وتحول مصر من الإخوان للجيش، حقق لها قروضا إماراتية / سعودية، كما أن رهان واشنطن الخاسر على الإخوان دفع مصر إلى روسيا لتحقق حلمها بتوازن سياسي خارجي. 
في كل الأحوال يمكن القول إن مصر ما زالت في مرحلة انتقالية، صحيح أنها حققت مستوى مفاجئا على صعيد الأمن الداخلي، رغم المناوشات العدوة في سيناء، لكن يبقى أهم مظهر لتحقق الثورة، هو في قطع الطريق على عودة نظام الاستبداد ولا يتحقق هذا - بتقديرنا عبر حاكم مستبد عادل، بل في نظام فصل السلطات وتداول الحكم، وفي دولة المواطنة والمؤسسات وفي شراكة شعبية بالحكم، وإلا فلا مناص من تجدد الحراك الشعبي الذي لم يتوقف بعد انتخابات 2013 وكان سببا في تحرر المصريين في 30 يونيو من نظام حكم المرشد المستبد.
Rajab 22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد