في سابقة هي الأولى من نوعها، أصّر القيادي المعروف موسى أبو مرزوق أن "يزّف بشرى" انتهاء أزمة معبر رفح ، وتخلي حركته عن عنادها طوال ثماني سنوات من الحصار والقهر ولوعة انتظار الفرج لشعب عانى سجنا مركبا. قال أبو مرزوق: "إن الحركة ( حماس ) ترحب ب فتح معبر رفح البري وبأي صورة كانت"، مضيفا "ليس هناك شيئ يضاهي فتح المعبر عند الحديث عن مشكلات غزة ".

يقول اللغويون والعارفون بخفايا الكلم وظواهره إن موقفا جديدا – إيجابيا بالطبع – قد طرأ على موقف حماس، فاستدعى أن يغرد أبو مرزوق بالبشارة التي يستحق أن نطبع على جبينه قُبلة شكر. لكن السياسيين الخبثاء طلبوا التمهل والامعان في دلالات مفردات قالوا إنها تفضح نوايا مراوغة وتحمل الشيئ ونقيضه، فأحبطوا فرحة ماتت قبل أن تلد.

يقول هؤلاء إن الترحيب يندرج في حقل العلاقات العامة ويستدرج المغفلين من عامة الناس، مثلها مثل ما لحقها من كلمات "بأي صورة كانت".

ولو صدقت النوايا الظاهرة لقالوا الان، وبدأوا الان. وطلبوا من أصحاب المبادرة الفصائلية أو حكومة التوافق: استلام المعبر. لكن قيادة حماس تبذل جهودا حثيثة في البحث عن كلمات بديلة ومراوغة لفعل التسليم. في قاموس المعاني يرتبط فعل المراوغة بالرياضة البدنية، إذ يجيد اللاعب محاورة خصمه مع الاحتفاظ بالكرة.

وكلمة مراوغة تعني "تحايل وتملص " وهو فن يستخدم لتجريد مبادرة من قوتها، أو لتحاشي الالتزام المباشر بمضمونها. الكلمة الواضحة هي كلمة الانسان الذي يعرف ما يريد ويصمم على تحقيق ما يريد.

لكن الانسان المراوغ – حسب الفلاسفة القدماء - يلجأ إلى الإعلان عن حاجته لدراستها أولاً بقصد إضعاف حماس أصحابها، ثم طلب التوضيح والاستفسار، وفي النهاية طرح الاسئلة حول المبادرة بما يشكل مبادرة بديلة. أليس أبو مرزوق هو نفسه الذي قال قبل يومين إن "المبادرة تحتاج الى توضيحات كثيرة وفيها نواقص كثيرة "ّ؟!

من السهل خداع الشباب والمحتاجين – كما يقول أرسطو - لأنهم يستعجلون الأمل. إذن. ما الذي حدث لكي تتخلى حماس عن كل شروطها وملاحظاتها واستطراداتها وتوافق على فتح المعبر "بأي صورة كانت"؟ هل هي جادة في ذلك؟ نحاول تتبع الموقف من خلال جماعة الاخوان المسلمين التي تشكل حماس فرعا لها؟ فهل مارست تلك الجماعة، أيضا، سياسة المراوغة السياسية"؟ في الامثال الشعبية أن الولد لأبيه وأن المراوغة لها أصل ثابت لدى جماعة الاخوان في مصر.

عندما قطعوا على أنفسهم عهدا بعدم ترشيح إخواني لرئاسة مصر، سرعان ما خالفوا وعدهم بترشيح "خيرت الشاطر" أصلياً و" محمد مرسي "مرشحاً احتياطياً، ثم في الشعار الذي رفعوه هم أنفسهم " مشاركة لا مغالبة " وهو الشعار الذي يجسد أحد أبرز قيم الديمقراطية الحقيقية، وما ان فازوا بالحكم حتى انقلبوا عليه بسعي محموم لاحتلال الفضاء السياسي المصري دون مشاركة أحد. بالعودة إلى الساحة الفلسطينية، فإن حماس استخدمت مصطلح "الكل الفلسطيني" بصورة لافتة للنظر ومبالغ فيها، مرة لتمرير اتفاق التهدئة الأول ثم أبرمته وحدها، ثم الاتفاق الثاني ووقعته مع حركة الجهاد الاسلامي، ثم حاولت جلب "الكل" لإدارة غزة فرفض الكل سعيها. ثم قالت إنها ستعرض نتائج مفاوضاتها مع المبعوث الدولي "طوني بلير" على الكل الفلسطيني. انتهت المفاوضات ولم يعرف لا الكل ولا الجزء شيئا مما دار، ولا لماذا فشلت .. ورغم كل ذلك، مازالت حماس تسير على ذات النهج. لا يهم إن كان العقل يصدقها أم لا.

المهم أنهم يقولون شيئاً ما ظناً أن الكل يتبعها، ولا يصدق سواها من الفصائل، مهما استخدمت من مصطلحات ملونة، وأن المرضى والطلبة يطالبونها بالثبات على إغلاق المعبر، حتى لا يموتوا غرقا في قوارب الهجرة إلى أوروبا!!.

يكاد لا يمر يوم دون أن يدلو أحد قيادات حماس بدلوه، يقول أو يغرد بما يراه مناسبا حول المعبر. ربما كان من الافضل لو أنهم أعطوا أنفسهم إجازة سنوية وعكفوا على إعداد كتاب: كيف تطابق الافعال مع الأقوال عندما تكون في الحكم؟!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد