الحديث عن حرب إسرائيلية قادمة في قطاع غزة يكاد يتغلب على الأحاديث المتواترة حول أزمات الكهرباء والماء غير الصالح للشرب والضرائب المتراكمة والغلاء والبطالة والحريات المنقوصة، بعرف أهالي غزة أن مناخ الحرب بدأ يسيطر على كل المناخات، وغزة باتت أكثر حساسية تجاه مناخ الحرب، فهي خَبِرَتها وجَرَّبتها وتعرف مقدماتها التي اعتادت عليها بفعل التكرار، حتى أنها تقدر أن الجانبين، حركة حماس وإسرائيل، بات كل جانب يعاود قراءة كتابه المقدّس، القرآن والتوراة، لانتقاء اسم للحرب الجديدة القادمة، كما كانت عليه أسماء الحروب السابقة، وكأن هذه الحروب ما هي إلاّ لتكريس تهم كل طرف للدين الذي يتخذه منهجاً ومسلكاً حسب تقديره، حروب تتجاوز القومي إلى الديني تعبر عنها مسميات هذه الحروب!
في الآونة الأخيرة، تصاعدت حدة التصريحات المتقابلة التي تجعل من مناخ الحرب يسود قطاع غزة، ليس عبر وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين، بل وفي أحاديث الناس ونقاشاتهم، وعلى الرغم من استمرار الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، إلاّ أن معظم تحليلات أصحاب الرأي في وسائل الإعلام الإسرائيلية يعتقدون أن خطر اندلاع المواجهة المقبلة يكمن في قطاع غزة ويعتبرون من الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام الإسرائيلية حول التجارب اليومية التي تجريها حركة حماس على الصواريخ، وتصاعد حدة المواجهات على تخوم القطاع مع الاحتلال، وردود الفعل الإسرائيلية، الفورية والدموية، يعتبرون ذلك مقدمة لمثل هذه المواجهة. عوفر شيلح، المحلّل العسكري الإسرائيلي المعروف، اعتبر أن الرد الإسرائيلي المباشر على زرع العبوات الناسفة على الشريط الفاصل في القطاع، ما هو إلاّ طريق إجباري، يبدأ بالتصعيد وينتهي إلى حرب، خاصة وأن التقارير «السرية» الإسرائيلية تشير إلى أن حركة حماس باتت أكثر استعداداً لمثل هذه الحرب بعدما تمكنت من ترميم معظم الأنفاق العابرة للحدود، وتمكنها من استقدام كل ما يلزم لتطوير صواريخها، إضافة إلى أن ـ يقول شيلح ـ بقاء الوضع الحالي المتأزّم واستمرار الحصار، دون حراك سياسي إقليمي ودولي لعملية سياسية لإعادة إعمار قطاع غزة، يشكل ضغطاً على حركة حماس، التي زادت نتائج الحرب الأخيرة من عجزها على تلبية تطلعات المواطنين في سبل معيشة أفضل، شيلح يتهم إسرائيل أن المستوى السياسي أجهض المحاولة الجادة لإقامة ميناء في قطاع غزة، الأمر الذي دفع باتجاه إغلاق كل أمل بتحسن الأوضاع المعيشية في قطاع غزة!
ليس بالأمر الجديد، أن تعلن إسرائيل عن قيام قواتها بمناورات وسيناريوهات عسكرية استعداداً للحرب في غزة، إلاّ أن الجديد في هذه المناورات المعلنة، تصويرها ونشرها، وأكثر من ذلك، يقول عامر دكة في تقريره الصحافي للتصور الإسرائيلي، إنه شاهد مجسّمات بالحجم الطبيعي لشارع، هو نسخة عن أحد شوارع غزة، حتى الشعارات بالعربية على الجدران، وحيث يمكن للقائد العسكري، أن يتوقع أين يكمن قناصو حماس، واين يضع هو قواته وقناصته، «مدينة غزة» في هذا التصور، مزوّدة بالكاميرات ونظم تحديد المواقع بأشعة ليزر، والكاميرات بما فيها تلك المحمولة وعلى خوذ الجنود، يتم نقل صورها مباشرة إلى غرفة العمليات الخاصة بهذه الوحدة أو الفرقة، هذه المنشأة المتطورة، كانت مجالاً لتدريب جيوش أميركا والمانيا على حرب المدن، يقول التقرير، الذي يعتبر إحدى الرسائل الموجهة والمدروسة في اطار الحرب النفسية المرافقة لأي حرب، خاصة وأنه يشير إلى أن هذا التدريب يأخذ بالاعتبار احتمال الاضطرار إلى احتلال كامل للمدن، بخلاف الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة!
إسرائيل التي تحصي وتدقق بكل تصريح فلسطيني، خاصة من قبل قيادات حركة حماس، تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، وفي سياق الاستعداد لحرب قادمة، فإن لهذه التصريحات وقعها وتأثيرها، ورغم أن إسرائيل عمدت دائماً الى المبالغة في إمكانيات حركة حماس العسكرية، لأسباب تتعلق بالرأي العام واستعداده لتقبُّل وسائل «الرد» الإسرائيلي الدموية واستهداف المدنيين الأبرياء، إلاّ أن ذلك ليس السبب الوحيد وراء تأثير هذه التصريحات على صُنّاع القرار في إسرائيل.
ووفقاً لاطار واسع من تحليلات المختصين الإسرائيليين، فإن حركة حماس لا تريد حرباً مع إسرائيل «الآن» فهي ليست جاهزة عسكرياً حتى الآن لمثل هذه الحرب، لكنها لن تتوانى عن الردّ إذا استعجلت إسرائيل مثل هذه الحرب، وربما يعني هذا التحليل، أنه على إسرائيل استعجال الحرب قبل أن تتمكن حركة حماس من استكمال استعداداتها، لكن ذلك بشرط أن تتوفر المقدمات المطلوبة، أي أن تسعى إسرائيل إلى جرّ حركة حماس لهذه الحرب، وبحيث يبدو أنها في حالة دفاع وأنها حاولت عدم الإقدام على هذه الحرب ولكن دُفعت إليها دفعاً.
في هذا السياق، تبدو بعض التصريحات الفلسطينية خارجة عن السياق الموضوعي للحرب، أية حرب، فالتصريحات حول الاستعداد الكامل، تشير إلى الجانب العسكري وهو أحد الجوانب الهامة، لكن الأمر يتعلق بتوفير إمكانيات الصمود للمواطنين، حتى لا يكونوا فريسة سهلة للعدوان، وبقدر ما يجب حماية العسكريين والمقاتلين أثناء القتال، فإنه يتوجب وبالضرورة، حماية المدنيين بالقدر الكافي، وهذا يتطلب ـ على سبيل المثال ـ توفير الإمكانيات البشرية والمادية للمستشفيات، وتوفير ملاجئ، على الأقل حتى يتبقى بعض المواطنين القادرين على الاحتفال بالنصر القادم!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد