بعد أن تسلمت إسرائيل غواصتها الرابعة في أيلول الماضي، ها هي تتسلم غواصتها الخامسة قبل الأخيرة في اطار الصفقة التي سبق أن تعاقدت مع ألمانيا التي تقوم بصناعة هذه الغواصات من فصيلة «دولفين» والتي تعتبر أرقى أنواع الغواصات وأكثرها تطوراً، وهي الأطول في تاريخ صناعة الغواصات الألمانية، ومن مميزاتها أن باستطاعتها اطلاق الصواريخ النووية، لكن ما يعتبر أكثر تميزاً بالنسبة لباقي أنواع الغواصات أنها الأقدر على الغوص في الأعماق السحيقة، والمهم في هذا السياق، أن بإمكانها أن تتوقف من دون أن تتزود بالوقود، وهي ميزة ينفرد بها هذا النوع من الغواصات مقارنة مع الغواصات الأخرى التي يجب أن تظل محركاتها متوقفة حتى في حال التوقف عن الحركة.
ومنح قائد البحرية الاسرائيلية هذه الغواصة اسم «اخي داكار» وهو يعود إلى الغواصة «داكار» التي أغرقتها البحرية المصرية العام 1968، وظهرت بقاياها على شاطئ خان يونس في قطاع غزة ، بعدما قالت الدولة العبرية إنها اختفت لأسباب لا تعود إلى البحرية المصرية، وهناك قصة طويلة حول اختفاء هذه الغواصة إلى أن تم اعتراف إسرائيل بإغراقها من قبل البحرية المصرية بعد عام من هزيمة 1967، خاصة أن هذه الغواصة كان من المقرر أن تتوجه إلى الشواطئ المصرية للهجوم على مناورة بحرية مصرية بوجود الرئيس جمال عبد الناصر، حكاية طويلة، تعبر عن عدم ثقة إسرائيل بقدرات العرب، من ناحية، وقدرات الجيش المصري وبحريته على إغراق هذه الغواصة بعد أقل من عام على هزيمة حزيران، لكن ليس هنا مجال وسياق الحديث عن هذه الحكاية ذات الطبيعة الاستخبارية العسكرية كجزء من تاريخ الصراع في المنطقة.
هذا النوع من فصيلة «دولفين» من الغواصات الألمانية التي تسلمتها إسرائيل، تخضع أثناء صناعتها إلى سرية بالغة وتحت حراسة مشددة من قبل رجال أمن إسرائيليين، ومندوبين عن سلاح البحرية الإسرائيلية والصناعات الأمنية، صحيفة «دير شبيغل» الألمانية كشفت إثر تسلم إسرائيل للغواصة الرابعة، أن إسرائيل على الرغم من عدم اعترافها بامتلاكها للسلاح النووي، إلاّ أنها ـ إسرائيل ـ ستزود صواريخ هذا النوع من الغواصات بصواريخ تحمل رؤوساً نووية، وان المانيا كانت تعرف ذلك، ولكنها غضت الطرف وحاولت أن تتجاهل الأمر، باعتبار أن قوانينها لا تسمح بتصدير مثل هذه الأسلحة ذات الإمكانيات النووية، إلاّ أن الأمر عندما يتعلق بإسرائيل فإنه يختلف والصمت إزاء ذلك أصدق تعبير عن مدى العلاقات الألمانية ـ الإسرائيلية!
وإذا كان من المعروف أن إسرائيل عبارة عن كتلة من الأسلحة الحديثة وتمتلك جيشاً مزوداً بكل أدوات القتل والدمار، وقدرتها على شن الحروب، إلاّ أن اهتمامها بامتلاك غواصات فائقة الحداثة والقدرات، يعبر عن مفاهيم تتعلق بالعقيدة الأمنية ـ الحربية للدولة العبرية تحت مسمى «الضربة الثانية» وهذا يشير إلى أن هناك ضربة أولى، وواقع الأمر أن إسرائيل أخذت وهي تهتم بصناعاتها النووية، تشير بين وقت وآخر إلى أن أصدقاء العرب، باتوا يمتلكون سلاحاً نووياً قادراً على توجيه ضربة عسكرية نووية إليه ما يؤدي إلى تدميرها بالكامل، خاصة وأن مساحة الدولة العبرية محدودة وبإمكان قنبلة نووية حديثة إنهاء وجودها، إسرائيل تمكنت من إقناع بعض العالم بأن هناك «قنبلة نووية إسلامية» باتت تشكل تهديداً لها، وتقصد بذلك إعلان الباكستان عن توصلها إلى صناعة قنابل نووية في العام 1996، ورغم أن هذه القنابل الباكستانية كانت ولا تزال تصنع في اطار الواجهة التقليدية مع الهند التي سبقتها في صناعة القنابل النووية، إلاّ أن إسرائيل استثمرت امتلاك الباكستان للسلاح النووي لتبرير احتياجها إلى السلاح النووي، رغم صمتها إزاء قدراتها النووية!
ومنذ سنوات قليلة، استثمرت إسرائيل ما يقال عن برنامج نووي إيراني، لتعود إلى الإشارة إلى أن هناك إمكانية للقضاء على الوجود الإسرائيلي، ككيان ودولة إذا ما استخدمت إيران قدراتها النووية المزعومة ضد هذه «الدولة الصغيرة» بالضربة الأولى، لذلك، ووفقاً للعقيدة الأمنية العسكرية الإسرائيلية، يجب التحوّط من هذا الأمر، بالاستعداد لكي تكون الضربة الثانية من قبلها، وقبل أن يواصل «العدو» ضرباته النووية على الدولة العبرية، لتدمير مواقع صدور الضربة الأولى، الأمر الذي يقلل من إمكانية فناء الدولة العبرية في اطار هجوم نووي من أية جهة كانت، هذه الضربة الثانية، إسرائيلية بامتياز، ومن خلال الغواصات التي تمخر البحار القريبة والقادرة أولاً على توجيه ضربات لمفاصل العدو النووية، وثانياً، يعيد المبادرة إلى البحرية الإسرائيلية التي هي بعيدة المنال ولا تطالها الضربة النووية الأولى!
يذكر بهذا الصدد، أن بعض الدول العربية، خاصة سورية، كانت تمتلك سلاحاً روسياً حديثاً قادراً وبكفاءة عالية على تدمير السفن والغواصات البحرية، وهو الصاروخ الروسي المجنح «ياخونت» والذي بإمكانه إصابة الهدف بدقة بالغة حتى في أجواء وظروف التشويش اللاسلكية والالكترونية المعادية، إلاّ أن الغواصات الحديثة من نوع «دولفين» أخذت بالاعتبار مواجهة مثل هذه الصواريخ التي تم البدء بصناعتها في روسيا في ثمانينيات القرن الماضي، أي ان هذه الصواريخ، لا تزال أقل حداثة وتقنية مما بلغته الصناعات العسكرية الألمانية بعد حوالى أربعة عقود من التقدم التقني الهائل!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد