حكايات الصبر يرويها أهالي المعتقلين على أبواب الصليب الأحمر

اعتصام أهالى الاسرى بغزة

غزة / خاص سوا/ تترنح بجسدها المتهالك رغم اتكائها على كتف امرأة عند دخولها من بوابة مقر الصليب الأحمر غرب مدينة غزة، تجلس بين الجموع؛  يأتوا لها بصورة ابنها الأسير تحتضنها، وتبدأ تكرر الهتافات الغاضبة بصوت هادئ ومرهق.

 الثمانينة أم فارس بارود، واحدة من المكلومات التي شاركت في الاعتصام الأسبوعي لأهالي الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال؛ ما دفعنا للحديث معها وسط الحضور الكبير من المعتصمين،  حين علمنا أنها أضحت كفيفة بعد ما جفت ماء عينيها  طوال بكائها على وحيدها طوال 24 عاما.

المسنة التي  غرقت تجاعيد وجهها بعذابات الفراق والكِبر، تقطن على الأطراف الغربية من مخيم  الشاطئ القريب من شاطئ المدينة؛  رجائها الوحيد  قبل مواراها التراب؛  تقبيل جبين ابنها، وأن تشبع من رائحة جسده كما كانت تفعل حين كان طفلا وشابا يافعا قبل اعتقاله.

لا تذكر أم فارس أنها ذاقت طعماً للأعياد أو المناسبات السعيدة خلال فترة اعتقال وحيدها :  "لا عيد من دون ابني. أتمنى احتضانه مرّة وحيدة قبل مماتي".

وفارس بارود معتقل منذ 23 مارس 1991، ومحكوم بالسجن المؤبد بتهمة قتل مستوطن، ويقبع الآن في سجن "نفحة" الصحراوي.

بصيص الأمل هو من جلب أم فارس لتكون بين  المعتصمين، رغم ثقل جسدها وبياض عينيها، تختم حديثها قبل أن تقطعه وتعود إلا الهتاف مع النسوة الموجودات : "   لدي شعور أن الله  سيكرمني باحتضان  فارس؛ حينها لن تسع الفرحة قلبي".

 

 

تركنا أم الأسير الكفيفة وبدأت جولة مع الزميل المصور في الصالة الأرضية لمقر الصليب ليلتقط بعض تلك المشاهد؛ من بينها كانت لطفلا ينام في حضن والدته رغم الضوضاء، وعلى فخديه صورة عمه الأسير مصطفى دهمان؛ هو لا يعلم لما ينام هنا أو لما حضر، لكن ييقن أن حضوره مع عائلته أصبح واجبا أو طقوسا مقدسة للعائلة فهذا أقل ما تقدمه لابنها الأسير.

خرجنا من بوابة المقر لرصد جماعة أخرى قد اعتصمت في الشارع الموازي، عدسات المصورين ترصدهم. مقابلة مع أحد الشخصيات الاعتبارية.  فتيات يحملن صورا جلدية  لبعض الأسرى المعتقلين، وهكذا.

في ذيل المعتصمين  كان يقف رجلا  وحيدا ، يحمل بكلتا ذراعيه لصورة أسير غطى الشيب فروة رأسه، وفي أسفلها اسم الأسير، ويدعى ماهر يونس.

تبين من حديث الرجل صاحب البشرة القمحية والذي اكتفى بكنيته أبو ياسر، أنه صديق مقرب للأسير، عاشا فترة شبابهما بالعمل في مناطق الضفة قبل اعتقال  ماهر، ويأتي إلى هنا من كل الأسبوع تقديسا لصداقتهم القديمة، التي هشمتها إسرائيل.

وبدأت صداقة أبو ياسر بالأسير ماهر (57 عاما )، من قرية عارة في المثلث شمال اسرائيل حين كانا يعملا في محل للدواجن الطازجة قبل 35 عاما.

وكان ماهر قد اعتقل 18/1/1983 بتهمة الانتماء لحركة "فتح" ومقاومة الاحتلال، وحكمت عليه محكمة اللد العسكرية حكما "بالإعدام شنقاً" ومن ثم خفضته للسجن المؤبد، ويقبع الآن في سجن جلبوع الإسرائيلي.

 ويعتبر ثاني أقدم اسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد ابن عمه "كريم يونس" الذي يسبقه في الاعتقال بأيام محدودة.

ويعد الأسير "يونس" من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو وممن تم الاتفاق مع بدء المفاوضات السياسية في صيف 2013 على إطلاق سراحهم على أربع دفعات، حيث التزمت إسرائيل بإطلاق سراح ثلاث دفعات بواقع (26) أسيرا في كل دفعة، ونكثت بالاتفاق ولم تلتزم بإطلاق سراح الدفعة الرابعة، والتي كان من المفترض أن تتم أواخر مارس من العام الماضي، وأبقت عليهم في سجونها لغاية اليوم، وعددهم (30) أسيراً.

وبالعودة إلى  صديق الأسير يختم  قبل أن يوضع صورة صديقه في مركبته ويذهب إلى عمله :"  سأبقى أنتظر إطلاق سراح صديقي،  لن ولا تستطع إسرائيل أن تضعف علاقة صداقتي بماهر، سأستمر بالاعتصام لأجله وأنا متأكد أن ماهر سيواصل صموده إلا أن ينال الحرية أو الموت بشرف".

 

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد