تبدلت لغة حماس بشأن معبر رفح ، من رفض واضح وصريح إلى رفض مبطن من خلال إحالة الموضوع على الدراسة وارفقت ذلك بشبه جملة صارت مثل لازمة موسيقية: "على قاعدة الشراكة"، للايهام بجديتها وامتصاص غضب فصائل المبادرة. وربما لا هذه ولا تلك، وإنما لغة تضليلية بما تضمر واستخفافا بالمبادرة وأصحابها.


ما يستدعي تلك الخلاصة انشغال الدكتور زياد الظاظا في الفرق بين المبادرة والافكار والاقتراحات وليس في المضمون وما ينطوي عليه من إفراغ مبادرة الفصائل من محتواها، وكأن المشكلة تكمن في تعريف المصطلحات، ثم تبعه القائد أبو مرزوق فغرد بإضافة توضيحية معتبرا "إن المبادرة تحتاج الى توضيحات كثيرة وفيها نواقص كثيرة ". وكفى المؤمنين شر القتال.


قبل المبادرة، كانت مواقف حماس من المعبر تتلخص في كلمتين "أو ثلاث: " لن نسلم المعبر". ولأن جهة التسليم التي تسيطر على المعبر الان هم حماة "شرف غزة " والجهاديون، والمقاومون حصرا، فإن غيرهم – جهة التسلم – فئة "المهربين والخونة وغير الوطنيين" يصبح الموقف المعلن لحماس أمرا طبيعيا ومتوقعا حتى ولو حضرت اللجنة الوزارية وسُمح لها بدخول غزة – أصلا، سيتكرر مشهد احتجازهم، ولا عزاء للوزراء.


لا يبدو أن أصحاب هذه العقول المبرمجة التي تنام وتصحو على إيقاع موسيقي من هذا اللون والتصنيف الحاد لديهم قابلية للاستجابة لمصالح الناس، وبالتالي يصبح لزاما على أصحاب المبادرة البحث عن ثمن لعودة المعبر الى ما كان عليه قبل اعتباره غنيمة خالصة للمجاهدين.


ما رشح من أوساط حركة حماس يشير إلى أن الثمن لا ينحصر في ما ذكر بعبارات مرصوصة بعناية فائقة تخلو من روح الاحساس بعذابات المواطنين وإن لامستها لفظيا مثل: "تخفيف الضغط على المواطنين وتوحيد الوطن"، بل يمكن تحديده بـ "رواتب موظفيها"، ذاك بيت القصيد المسكوت عنه، وبذلك تتقدم الرواتب في سلم أولويات الحركة على عذابات المواطنيين. وأن ما يطبق على المعبر يمكن أن ينسحب على الوضع الصحي وقطاع التعليم والكهرباء والبطالة ... بعدها يمكن الحديث عن التسليم دون البدء بخطوات عملية، لان لغما أخر سيجده أصحاب المبادرة في طريق التنفيذ يحتاج إلى مبادرة لاحقة وهو "تطبيق الشراكة".. هكذا تبدأ لعبة لا نهاية لها تشبه الى حد كبير لعبة الباب الدوار.


هذه المرة غيّرت حماس مسار اللعبة من رفض تسليم المعبر إلى المطالبة بحل كل المشاكل والازمات الناجمة عن حكمهم لغزة "رزمة واحدة"، أو انتظار معجزة إلهية تلبي مصالحهم أولا، حتى ولو كان تأخيرها سيلحق كارثة إنسانية بالمجتمع وفي مقدمتهم مرضى يتهددهم الموت، وطلبة فاتهم قطار اللحاق بجامعاتهم وربما مستقبلهم أيضا، ولم يحصدوا من مواقف حماس سوى الخيبة والحسرة...


قيادي في أحد الفصائل التي صاغت المبادرة قال: حاولنا تفكيك الأزمة اعتمادا على سياسة الخطوة خطوة. في البداية، لم يشاورنا شك في احتمال رفض حماس لمبادرتنا. لكنها رفضت. هل كان علينا أن نشاورهم وحدهم قبل اعلان مبادرتنا في ما يقبلون وما يرفضون؟! لو فكرت حماس في غير ذاتها لتراجع منسوب الكراهية وهذا الجنون الذي يعصف بنا. هنا يمكن أن نفهم فلسفة " سقراط " الذي يمجد الحب، باعتباره يجردنا من أنانيتنا وبُغضنا، ويدفعنا الى الشجاعة والسمو ونكران الذات والتجرد. 


ببساطة، قيادة حماس تعتقد أن موافقتها تعني أن غيرها يفكر نيابة عنها، وتعني أنها في حاجة لإعادة برمجة عقلها سياسيا واجتماعيا والتخلي عن تمجيد الذات و تقديم صورة سلبية نمطية لغيرها. فاقتضى الرفض.


دون مبادرة من حماس نفسها، فإن الأزمات الحالية تبقى مرشحة للاستمرار والتوسع، وبالتالي تفرض على نفسها عزلة مجتمعية وفصائلية وتخلق انقساما جديدا طرفاه: حماس من جهة وبقية المجتمع الفلسطيني من جهة أخرى، ولا متضرر فيه سوى الشعب وقضيته الوطنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد