بهذا الاحتفال الجماهيري السياسي المنظم الذي شهده قصر الثقافة، في مدينة الحسين الرياضية، والذي أعده تحالف القوى الوطنية والقومية واليسارية الأردنية، تضامناً باسم الأردن والأردنيين، مع نضال الشعب العربي الفلسطيني بيوم انطلاقة ثورته الوطنية قبل نصف قرن في الأول من كانون الأول 1965، يكون قد تكرس التقليد الذي بدأ قبل سنوات قليلة، سواء في مغزاه أو في دوافعه أو في شكل المشاركة الأردنية، بما حمل من توجهات وانحياز وقرار، فالاحتفال جرى برعاية رئيس مجلس النواب الأردني بصفتيه الأولى رسمية باعتباره رئيساً لإحدى مؤسسات الدولة الأردنية، والثانية شعبية باعتباره نائباً منتخباً، ورئيساً منتخباً من قبل نواب الأردن عن الأردنيين. 
احتفال اليوم الوطني الفلسطيني دعا له ونظمه الحزب الشيوعي الأردني، لأكثر من سبب: 
أولاً: لأنه في طليعة الأحزاب السياسية الأردنية التي تتبنى موقفاً حازماً بلا تردد نحو دعم نضال الشعب العربي الفلسطيني، ومسانداً لقيادته الوطنية، وممثله الشرعي الوحيد، ويحترم خيارات الفلسطينيين أياً كانت، سواء يتفق معها أو يختلف، فهو يضع لنفسه حدوداً لا يتجاوزها في احترام خيارات المؤسسة الفلسطينية، وإذا كان ثمة ملاحظات أو انتقادات لها أو عليها فهو لا يتردد في قولها عبر الطرق الكفاحية وأدوات الاتصال الثنائية المفتوحة، بلا مزايدة أو ادعاء في الحرص على القضية الوطنية للشعب الفلسطيني أكثر من أصحابها الأدرى من غيرهم وقبلهم بما هو أفضل لصالح فلسطين وأولوياتها. 
أما السبب الثاني فيعود إلى أنه يملك علاقات واسعة من التنسيق والتفاهم مع باقي الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية الأردنية، توفر له المكانة اللائقة في تعامله مع الأحزاب الأخرى، بعيداً عن الحساسية وضيق الأفق وادعاء تمثيل الوطنية الأردنية أكثر من غيره، فقيادته تتصف تاريخياً بنكران الذات، والصلابة العميقة، والسياسة الواقعية، التي تجعل صلاته مع الجميع مفتوحة، دون قطيعة أو حرد، إلى الحد أن أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي المناضل القومي أكرم الحمصي الذي تم انتخابه مؤخراً عضواً في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ويشغل الآن الموقع الدوري لرئاسة لجنة التنسيق لتحالف الأحزاب القومية واليسارية، لم تضق به الحال، ولم تنتابه الحساسية لأن أمين عام الحزب الشيوعي الأردني هو الذي سيلقي كلمة الأحزاب، وهذا يعود لسعة أُفقه ومعرفته أن الشيوعيين أصحاب المبادرة والتنسيق المسبق بالدعوة قبل غيرهم لهذا الاحتفال. 
أما السبب الثالث والمهم فهو علاقاته الرفاقية والكفاحية مع حركة فتح الفلسطينية ومع قيادات منظمة التحرير، فكان له الأولوية من قبل رام الله ، ومن مفوض العلاقات العربية لدى اللجنة المركزية لحركة فتح، لأن يتم التجاوب معه في قبول الدعوة واحترام المبادرة. 
المغزى الآخر الذي لا يقل أهمية هو أن الاحتفال أردني وبدوافع أردنية تضامناً مع الشعب العربي الفلسطيني ومع حركته الوطنية، فالأردنيون شركاء في الدم والنضال والمصير، دون خلط الأوراق أو تدافع الأولويات، فالأولوية للأردنيين هي حماية الأردن وأمنه واستقلاله ووحدته، والأردن بهذا المعنى والمضمون يشكل رافعة لفلسطين مهما كانت إمكاناته متواضعة، أما الأردن الضعيف، فهو عبء على نفسه وعلى فلسطين، ولذلك كان الاحتفال أردنياً دعماً وإسناداً وتضامناً مع شقيقه الفلسطيني بكل قوة وبكامل الوعي وعمق الانحياز. 
أما المغزى الثالث والمعلن غير المستتر فهو إرساء الشراكة الكفاحية بين فلسطينيي 67 مع فلسطينيي 48، فالأردن بقواه السياسية وفي طليعتها أحزاب التيارات الوطنية والقومية واليسارية يتضامن مع طرفي المكون الفلسطيني الواحد داخل الوطن، مع فلسطينيي 67 من أجل كنس الاحتلال ونيل حريتهم واستقلالهم، ومع فلسطينيي 48 من أجل دعم نضالهم ضد التمييز والعنصرية وتحقيق المساواة الكاملة لهم على أرض وطنهم، في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، من هنا شارك المناضل التقدمي، رجل القانون والمدرس الجامعي، النائب الدكتور يوسف جبارين، عن الكتلة البرلمانية للنواب العرب الفلسطينيين، الذين يقفون بصلابة ووحدة في جوف الحوت الإسرائيلي، بعد أن تحالفت قواهم السياسية الأربع يوم 22/1/2015، لخوض الانتخابات البرلمانية في قائمة مشتركة يوم 17/3/2015، وحققوا نجاحاً بحصولهم على ثلاثة عشر مقعداً في البرلمان لأول مرة، وكان ذلك مقدمة ضرورية لنجاح القائد الوطني البارز محمد بركة ليكون رئيساً للجنة المتابعة العليا للوسط العربي الفلسطيني وهي بمثابة القيادة اليومية المنتخبة لهم عبر الانتخابات الداخلية للجنة التي تمت يوم 24/10/2015. 
بهذا الاحتفال الأردني، الذي تكرر منذ عدة أعوام وتكرس باعتباره نشاطاً أردنياً بامتياز لصالح فلسطين، والانحياز لها والتضامن معها في ظل الحروب البينية العربية التي أضاعت البوصلة، وخلقت أعداء وهميين، ووفرت للعدو القومي ومشروعه التوسعي الاستعماري الصهيوني، إمكانية امتلاك فرص التضليل كي يكون شريكاً وهمياً لمناهضة الإرهاب، وهو بذلك يرمي عن نفسه صفة الإرهاب، مع أنه يمارسه يومياً وبكافة الوسائل والأدوات ضد الشعب العربي الفلسطيني. 
الاحتفال والانحياز والتضامن الأردني سيتواصل مع فلسطين؛ لأن نضال الفلسطينيين حماية للأردن أولاً من الأطماع التوسعية الاستعمارية الإسرائيلية وهو ثانياً واجب وطني وقومي وديني وإنساني أردني في الوقوف مع فلسطين ولا يوجد أمام الأردنيين خيار آخر، غير الخيار أن يكونوا مع فلسطين. 
h.faraneh@yahoo.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد