أبواب كثيرة تفصلنا عن واقعنا وعن محيطنا الذي نتأثر به ويتأثر بنا، هذه الأبواب غير مرئية، تلد ربما مصادفة من فنجان قهوة، حادث سير، مرض، قرار صائب أو خاطئ، ابتسامة عابرة، موت مفاجئ، والكثير الكثير من الأحداث التي لا نشعر بها لأنها أصبحت جزءا من الحياة الروتينية اليومية التي نعيشها، ورغم ذلك تعتبر أبواب تدخلنا وتخرجنا من عالم الى عالم؛ تلك الابواب تكبر وتصغر بمقدار ما نقوم به من أفعال متمردة في الحياة التي ما زلنا نتنفس بها كل حسب مقدرته بإحراق كميات الأوكسجين من هذا العالم. وأخطر تلك الأبواب هي الأبواب التي تفصلنا عن عالم المعقول واللامعقول، وهنا تلد العديد من الأسئلة في داخل عقل من سيُبحر بين الواقع والمتخيل: ما مدى استيعابنا لما لا نراه في حال ولادة رؤيا لم نعتد عليها؟ هل ما نراه في الواقع  حقيقة أم هو انعكاسات لأحداث لا نراها لكنها في الواقع مؤثرة بنا أكثر ممن نراه ونتعامل معه بشكل يومي؟!
في رواية «الفيل الأزرق» للروائي المصري الشاب أحمد مراد الصادرة عام 2012؛ نجد بأن بطل الرواية «الدكتور يحيى» الطبيب النفسي يكتشف ذاته من خلال الآخر سواء كان جنا أو/و إنساً، وهنا أدعي بأن حبات الهلوسة «الفيل الأزرق» في الرواية هي البوابات التي لا نراها إلا في حال فقدنا أو اكتسبنا مفاهيم ومفردات جديدة، من خلال التحرر من كل ما يعيق التفكير لأسباب وضعها الإنسان على ذاته، ليصل مرحلة أشبه ما يكون فيها بالسجين الذي وضع جسده وخياله وروحه في داخل سجن وقذف بالمفتاح في أعماق المحيطات، هذه الرواية لا تستند لقصة حقيقية، لكن إذا ما قمنا بالتخلص من رؤيتها كأنها رواية بوليسية أو من انواع روايات الرعب والسحر؛ سنجد بأنها جزء من ممارساتنا اليومية كجرائم نرتكبها نحن القرّاء دون وعي للفعل المرتكب في العقل الباطني، لتقودنا الرواية الى دراسة ذاتنا من زاوية سريالية من أجل تحقيق هدف الرواية _حسب وجهة نظري_ المتمثل في تحرير الإنسان من العقلانية الزّائفة والعادات والبنى المَقيدة.
ان هذيان الفرد/المجتمع يرشدنا لطرق وأحلام جديدة نحن بحاجة لها لكن عقلنا الباطني يرفضها، وهنا تأتي القدرة السريالية التي علينا ان نبحث عنها في المخ البشري لتحطيم القواعد برفضنا للمنطق، وهذا ما يصيبنا نحن الأجيال الشبابية الفلسطينية في هذا الوقت الراهن، أستشعر ذلك في المقاهي المتنوعة وحتى في المناسبات الوطنية والدينية بأن أغلبنا مصاب بهلوسات وجنون التذكُّر والقصص القديمة والمشاهد المجهولة والأفكار المتضاربة والتنبؤات البعيدة وحشد العواطف وتشويش العقل والعبث. إنها انطلاق الوحي الحر من أعماق النفس وتدفقه بحرية تامة مخترقاً جميع الحواجز التي نعيشها في الوقت الآني، وبمعنى اوضح نحن نهرب من الحاضر باسترجاع قصص الماضي حتى نتمرد على الواقع.
وجدت في الرواية بعض المشاهدات التي بحاجة للتفكير المعمق أكثر من الحدث ذاته اذا ما نظرنا لتلك الأحداث من الوهلة الأولى بواسطة العقل، أمثلة على ذلك: المشاهدة الأولى:عنبر «8 غرب» _ مستشفى العباسية للصحة النفسية_  هو المكان الأكثر استقرارا من المحيط «المجتمع» وخصوصاً بأن الاضطراب والتوتر في هذه الرواية هو جاء بالأساس من خارج أسوار العنبر وليس العكس.. بمعنى قد يكون الجنون خارج المنطقة المتعارف عليها بالمفهوم الحيز المكاني وأن العنبر «المستشفى» هو المكان الأقل جنوناً لأن المجتمع هو من يصنع التوتر والقلق. مشاهدة ثانية: لعبة البوكر، مع أهمية الورق في هذه اللعبة، إلا أن معرفتك في لغة الجسد هي نصف طريقك للفوز، بحيث عليك أن تقرأ لغة أجساد الخصم كما تقرأ أوراقهم، وأيضاً أن تقوم بخلق إيحاءات من جسدك كاذبة تجعل من الخصم يقرأها بطريقة يقع هو في المصيدة التي نصبتها له. مشاهدة ثالثة: نهاية الرواية رواية جديدة يقرأها كل قارئ بمعزل عما يريده كاتب الرواية، جعل الكاتب القرّاء في حالة ضياع مع نهاية الرواية، بحيث ترك الأبواب مفتوحة أو خلق صوتاً داخل كل قارئ يطالب بإعادة قراءة الرواية مرة أخرى.
رواية الفيل الأزرق انتصرت للخرافات التي بداخلنا، ونخشى أن نخوض بتفاصيلها بسبب الخوف والعيب والحرام والعادات والتقاليد، الفيل الأزرق عبارة عن خيط فاصل بين الحقيقة والخيال، الفيل الأزرق عبارة عن رواية الطاقة التي تعطينا طاقات متنوعة لتحفزنا بأن نولد من جديد وأن نعيش التجارب بكل ما فيها من فرح ودموع حتى نصل مرحلة النشوة التي لا يعرفها سوى من يخوض التجارب المختلفة. 

للتواصل:
بريد الكترونيmehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد