107-TRIAL- إنها حرب لا تشبه كل الحروب سواء في بدايتها أو على مستوى الأداء المفاجئ للمقاومة الفلسطينية، فما سبقها من حربين على قطاع غزة كانت إسرائيل هي من بدأها وأعلن ساعة صفرها وبنك أهدافها وحددت شكل نهايتها، لكن هذه المرة الأمر مختلف، فكما أن غزة كلها تحت النار كانت صحيفة يديعوت أحرونوت تكتب المانشيت الرئيسي "دولة تحت النار" هكذا بدا المشهد على قدر من الندية فاجأت به المقاومة دولة إسرائيل حين وضعت كل مدنها تحت مرمى الصواريخ، وما لم تطله الصواريخ قال الإسرائيليون إنه العنوان القادم. أداء المقاومة حتى اللحظة مدهش، ولم يتوقعه أصدقاؤها قبل أعدائها، فقد قررت هذه المرة أن تبدأ بالضرب قبل أن تنهي إسرائيل حيرتها وترددها أن تمتلك المبادرة، أن تفرض على إسرائيل خيارا لم تحسمه بعد، وسط حالة الجدل والتناقض وعدم الجهوزية والخوف من تصعيد قد يضع حكومتها أمام تساؤلات الشارع الإسرائيلي التي بدأت تعلو على حكومة التطرف التي اعتقدت أن حالة المراوحة وعنجهية اليمين الاستيطاني قادرة على ان توفر أمناً لإسرائيل وأن الفلسطيني لا حول له ولا قوة حين تقرر إسرائيل أن تستمر بالاستيطان وترفض إطلاق سراح الأسرى وترفض المفاوضات، ها هو الجانب الآخر من الفلسطيني يقول: فلتكن مفاوضات بالسلاح ولتكن الرسائل على رؤوس الصواريخ. ولكن أمام مشهد الدم المتناثر حد الجنون وبكاء الثكالى الذي يمزق القلب وبراءة أطفال يحكم عليها الجنون الإسرائيلي بالإعدام قبل أن تبدأ دورة الحياة وفي ذروة النشوة مما تحقق وتحت أصوات الصواريخ التي تنطلق والقنابل التي تفجر البيوت على رؤوس ساكنيها، يجب ألا يغيب العقل، فالمعارك أيضا بحاجة إلى حسابات هادئة، فما تحقق حتى اللحظة هو عمل كبير، فقد وضعت المقاومة دولة بهذه العنجهية تحت ضرباتها، شكلت مساسا كبيرا بالأمن القومي الإسرائيلي ووجهت ضربة كبيرة لقوة الردع الإسرائيلية التي هي رأسمال الوجود الإسرائيلي في المنطقة كما قال شمعون بيرس ذات مرة في إجابته لسؤال صحافي عن أن إسرائيل قائمة على الحروب قال بيرس "لا، إنها قائمة على قوة الردع الذي يجعل أعداءها يفكرون ألف مرة بقوتها قبل مهاجمتها".  هذا تحقق وتجاوزته الضربات من غزة ونحن نقف أمام لحظة بات من الواضح أن الاستمرار بها يدعو للتفكير، فقد أصبح للمقاومة قوة ردع يخشى أن نخسرها إذا ما استمرت المعركة، وأغلب الظن أن إسرائيل لن تقبل بأن يكسر أنفها أكثر من ذلك، ولديها من القوة والتاريخ في ارتكاب المجازر دون محاكمة وغياب الضمير العالمي ما شجعها على ذلك طويلا، وظني إذا استمرت المعارك فإنها ستدفع إسرائيل للانتقام والغدر حتى تقدم لشعبها انتصارا أمام تساؤلات الانكشاف والعجز، فإسرائيل لا تستطيع التوقف في هذه المرحلة، وأن وقف المعارك الآن بهذا التوازن يعني نقطة في صالح المقاومة الفلسطينية وصفرا لإسرائيل وهذه جولة. ماذا لو اكتفت المقاومة بما تحقق على مستوى الميدان وتوقفت عند هذا الحد؟ إنه انكسار لإسرائيل وإظهار عجزها، فقد أفقدت إسرائيل قوة ردعها حين كسرت حاجز الخوف واندفعت بهذا الشكل وامتلكت زمام المبادرة وهذه أول مرة، فماذا لو امتلكت زمام مبادرة في إنهاء المعركة قبل أن تتمكن إسرائيل من إحداث ضغط لصالحها بجعل المقاومة تطلب التهدئة، ماذا لو قالت المقاومة نحن من بدأ الحرب ونحن ننهيها بالشكل والتوقيت الذي نريد. السلاح جزء من المعارك وليس كلها في صراع الإرادات، فلو توقفت المعارك الآن فإن النتيجة في صالح المقاومة التي لم تخسر حتى اللحظة فيما خسارة إسرائيل فادحة، السلاح يدار ولا يدير المعركة وممنوع أن يذهب السلاح أبعد مما يجب، وهناك تجارب في التاريخ تجاوز فيها السلاح السياسة ذاهبا حتى النهاية وأضاع النصر وفي هذه المعركة بات من الواضح أن الميدان هو من يقرر ويفرض دحرجة الأمور وهو على وشك أن يذهب أبعد مما يجب وهنا الخوف. في السياسة هناك ما يعرف باللحظة التاريخية التي يجب التقاطها وهذه لحظة بالنسبة للمقاومة يخشى أن تضع في ذروة النشوة وأصوات الصواريخ وصافرات الإنذار التي تدوي في كل مدن إسرائيل، أن تتوقف وإسرائيل لم تخرج من حالة الصدمة بعد والتي يعبر عنها الجيش بغياب المعلومات الاستخبارية وتقدير الموقف وغياب بنك الأهداف، محملا المسؤولية لأجهزة المخابرات قبل أن تعطى إسرائيل وقتا للتوازن وتقرر هجوما عكسيا غادرا، صحيح أنها تخشى الحرب البرية ولكن قد تلجأ لها باعتبارها عملية جراحية تسيل دمها وهذا فقط إذا ما كان الألم أكبر من أن يحتمل، وقد وصل الالم عند إسرائيل إلى هذه الدرجة أو أن ترفع مستوى الاغتيالات. ممتاز أن تعلن المقاومة وقف النار من طرف واحد لتقول أنها هي التي تقرر البداية والنهاية ولها اليد العليا، وحينها لا تستطيع إسرائيل الاستمرار لأن المجتمع الدولي لن يقبل أن تستمر إسرائيل في ضرب غزة وخاصة أن موقفه في هذه المعركة أفضل من الحروب السابقة. فقد قال المحلل السياسي الإسرائيلي أفيف دروكر " في الحروب السابقة كانت المكالمات تنهال على نتنياهو مع أول صاروخ يسقط على إسرائيل، هذه المرة، لا أحد تحدث معه، وبعد يومين كان هو من بدأ اتصالات بزعماء العالم "ماذا لو أعلنت المقاومة استجابة للرغبة الأميركية أنها توقف إطلاق النار على الأقل إلى ما بعد رمضان وتعطي لإسرائيل فرصة تنفيذ شروطها، سيتقاطرون للضغط على نتنياهو ..هذه هي قوة الردع ...هكذا تدار المعارك يجب الحفاظ عليها بعقل هادئ هو من يجب أن يقود المعارك. فهذه ليست آخر المعارك العسكرية أو حتى السياسية مع هذه الدولة ومن الواضح أن عقل اليمين الذي يقودها لديه قدر من العناد، ما يجعل الصراع مفتوحا لمعارك قادمة، فمن يرفض إطلاق الأسرى بالمفاوضات عليه أن ينتظر وسائل أخرى، ومن يصر على أن يكون آخر احتلال في التاريخ عليه أن يتوقع أن شعبا من الأحرار لن يستسلم ولن يسلم مهما بلغت غطرسة المحتل، فهذه لحظة هامة، أنف إسرائيل ينكسر والعالم يتشفى بها وكأنه يقول من لا يريد تسوية عليه انتظار الصواريخ وعلى إسرائيل أن تقرر . رئيس حزب البيت اليهودي المتطرف نفتالي بينيت طالب أول من أمس بضربة ساحقة ومدمرة لغزة كان أعضاء كنيست يردون عليه قائلين " إن من يقول ذلك لا يعرف ماذا يعني المجتمع الدولي وماذا يعني أن تكون إسرائيل جزءا من هذا المجتمع " فوضع إسرائيل الدولي ضعيف والمقاومة تزيده ضعفا لصالح أصحاب خيار الدولتين والتقدير أن هناك من بدا سعيدا بصواريخ " حماس " ومنهم الولايات المتحدة وإن لم يعلن ذلك حتى يأتيها نتنياهو منكسرا جريحا لتعود للتسوية بعد أن كسرت صواريخ غزة شوكته، وبكل الظروف المستفيد الأبرز مما يحدث فلسطينيا هو تيار التسوية لأن استثمار السلاح سياسيا سيصب في صالحه، ولكن المقاومة ستسجل حضورها إذا ما استطاعت فقط أن تعرف متى تتوقف، فقد عرفت متى تبدأ والآن يجب ألا تذهب أبعد مما يجب، حذار من غياب الحسابات. ليس وظيفة المقاومة أن ترفع الحصار عن غزة بعد تشكيل حكومة الوفاق وإن كانت تدفع بهذا الاتجاه، وليست مسؤولية المقاومة توفير القضايا الحياتية في ظل حكومة مسؤوليتها توفير ذلك، فلدينا حكومة عليها العمل لإنهاء أزمة الحصار الذي لم يعد ما يبرره وهي ملتزمة بالاتفاقيات واستمرار الحصار، هو خرق لتلك الاتفاقيات و معبر رفح بانتظار تفاهم فلسطيني مصري وليس بانتظار صاروخ يسقط في تل أبيب، دور المقاومة هو تعزيز صراع الإرادات وقد تم ذلك ....إنها لحظة يجب التقاطها. 
Atallah.akram@hotmail.com 174

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد