بإقدام المملكة العربية السعودية على قطع جميع علاقتها الدبلوماسية وسحب جميع دبلوماسييها من إيران، وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين، يكون فصل حاد من العلاقة المشوبة بالتوتر والحذر الدائمة بين البلدين قد دخل حيز التنفيذ، بما يمكن وصفه دون مبالغة بأنه دليل على وجود «حرب باردة» بين البلدين، منذ سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وإقامة نظام الملالي الديني حتى اللحظة، مرورا بكل تفاصيل أو فصول الصراعات الإقليمية والداخلية، منذ الحرب الإيرانية/ العراقية، إلى الحرب في سورية، وأخيرا وليس آخرا إلى الحرب في اليمن.
ورغم أن السبب المباشر لهذه القطيعة الدبلوماسية بين البلدين يعود لإعلان المملكة العربية السعودية عن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق 47 مواطنا، معظمهم سعوديو الجنسية باستثناء واحد مصري وآخر تشادي، أي ليس هناك واحد منهم إيراني الجنسية، إلا أن طهران أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب ذلك، وليس بدافع الدفاع عن حقوق الإنسان، أو ما إلى ذلك، ولكن لأن من بين الموطنين العرب/ السعوديين، نحو أربعة من الطائفة الشيعية، يتقدمهم شخص اسمه نمر النمر، يقال إنه داعية وناشط سياسي سعودي، يقيم في المنطقة الشرقية، عرف بانتقاده سياسة بلاده الداخلية والخارجية.
لابد من القول، أولا وقبل كل شيء، إنه آن الأوان لأن تدق منظمات حقوق الإنسان العربية أجراس الخطر وأن تبدأ حملة سياسية، لا تتوقف إلا بالتزام كل الدول العربية بوقف العمل بأحكام الإعدام، ذلك أن «الإعدام» برأينا، ليس علاجا ولا رادعا بقدر ما هو عقوبة، وتعبير عن غل، ودال على ممارسة فاشية، كما انه أداة قمع بيد الأنظمة المستبدة، وحين يمارس بحق من يختلفون مع أنظمة الاستبداد بالرأي السياسي، الاجتماعي، أو الديني فإنه يصبح جريمة رسمية بكل معنى الكلمة، والدليل أنهم يبررون بالقول إن من صدرت بحقهم قرارات الإعدام، دعوا إلى الفتنة وما إلى ذلك من قول يؤكد بأن ما يؤخذ بحق الضحايا أنهم مارسوا حقهم في حرية الرأي.
كما أن بشاعة تنفيذ قرارات الإعدام تتضاعف بطريقة التنفيذ التي تكون «بقطع الرأس» بما يؤكد أن ذلك السلوك الذي ينسب للدين الحنيف، تحوّل مع مرور الوقت لملهم لجماعات الدين/ السياسي المتطرفة، التي تملأ الآن بلادنا طولا وعرضا، مع أن التاريخ لا يسجل حادثة واحدة، تم فيها تنفيذ مثل هذا الإجراء أو تلك العقوبة لا في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا في عهد الخلافة الراشدة.
المهم في الأمر، أن طهران أقامت الدنيا ولم تقعدها، لأن تنفيذ الأحكام طال واحدا من أبناء الطائفة الشيعية، الذين كانت طهران تعوّل كثيرا، فيما يبدو على دورهم في «زعزعة» أركان النظام السعودي من الداخل وهو نمر النمر، الذي أطلقت عليه لقب آية الله، فسمحت لمواطنيها بالهجوم على السفارة والقنصليات السعودية في إيران، بما يذكر بالهجوم على السفارة الأميركية في طهران أول عهد الملالي الإيراني، وقد أطلقت طهران العنان لرجلها أو حصان طروادتها في البيت العربي، حسن نصر الله ليطلق احدّ الكلام على الرياض معتبرا ـ حسب وصفه ـ أن تنفيذ قرار الإعدام بحق النمر (حصرا) رسالة بالدم والسيف!
بالعودة إلى نحو ثلاثة عقود ونصف العقد من الآن، أي إلى ثورة الخميني التي انتهت بإسقاط نظام الشاه وإقامة نظام حكم ديني، حيث إن الحاكم الديني هو بمثابة مرجع أعلى، فوق السلطة المدنية كلها، يمكنه أن ينقض ما يحلو له من قرارات الرئيس والحكومة المنتخبين، فإن نظام الملالي انتهج سياسة طائفية واضحة وكاملة المعالم والملامح، وإن كانت مركبة بين ما هو طائفي ديني شيعي وما هو قومي فارسي، ودليل هذا انه جعل من قم وليس النجف المرجع الديني للشيعة في المنطقة والعالم، كما انه مستمر في احتلال جزر الإمارات الثلاث، ليجعل منها منصات تدخل في البحرين ولإغلاق مضيق هرمز عند الضرورة، وفي استفزاز متواصل لمشاعر عرب الإمارات، تماما كما تفعل تركيا/ السنية باحتلالها للإسكندرونة منذ عقود، وبما يؤكد أن إخوة الدين والعقيدة، ليست كافية لإلغاء ما هو قومي وعرقي بين الشعوب، وقد ناصب نظام الملالي في طهران نظام صدام حسين العداء لدرجة أن يتحالف هو وأنصاره داخل العراق مع الاحتلال الأميركي لإسقاط صدام/ السني، ودعم حكومات الشيعة العميلة لواشنطن تباعا من إياد علاوي إلى حيدر العبادي، مرورا بالأسوأ وهما إبراهيم الجعفري ونوري المالكي. وكان الدافع لذلك أن الأقلية السنية تحكم أكثرية شيعية، فيما كان موقفه في سورية مناقضا تماما فهو يقاتل إلى جانب نظام الأسد بدافع طائفي، لأنه علوي، ينتمي لأقلية تحكم أكثرية سنية، رغم أن نظامي الأسد وصدام ـ سياسيا، هما نظامان شقيقان من حيث بعثيتهما ومن حيث استبدادهما!
لا يمكن حصر مظاهر الطائفية في سياسات نظام الملالي الداخلية، التي تضطهد العرب/ السنة في الأهواز، وتنصب لهم المشانق بالجملة، وتحرم عليم إقامة المساجد، إلى حشر انفها في البحرين واليمن، لأنها تعتبر أن الشيعة العرب، إنما هم رعايا الدولة الإيرانية الدينية الطائفية، وتنسى أنهم عرب مواطنو دول أخرى، هذه السياسة التي قادت إلى «لفظ» ( حماس ) من تحت عباءتها وحتى (الجهاد الإسلامي) الذي قامت بقطع كل المعونات عنها لأنها رفضت التورط معها في اليمن!
وحيث إن للسعودية مكانة أولى بين المسلمين/ السنة في العالم الذين يصل عددهم إلى نحو مليار إنسان، ولإيران مكانة الدولة الأم للمسلمين/ الشيعة في العالم الذين يصل عددهم إلى نحو ثلاثمائة مليون إنسان، فإنه يمكن القول، إنه ما لم تتدخل أطراف معتدلة ومتعقلة فإن نار الحرب الطائفية القائمة، سيزيد أوارها وستنتشر بسرعة ضوئية، وستجتاح كل اخضر ويابس المسلمين، سنة وشيعة، في كل أنحاء الدنيا!
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية