جردة حساب:
 لا يمكن دفن تاريخ السنة التي ترحل وكتابة تاريخ جديد، فأحداث التاريخ لا تدفن في وداع اليوم الأخير. جردة حساب، المقدَّر والمكتوب، مقدَّرٌ أن لا يرتفع منسوب أحلامي عن الأرض في النهار، ومكتوب أن الليلة الواحدة لا مكان فيها إلا لحلم واحد.. وهل بقي من العمر فرصة أمام حلم تأخر عن زمانه؛ لا أحلم سوى بالبقاء بالقرب من ذواتنا وأنفسنا، العيش في مكان لا يتعاقب فيه الليل والنهار، رؤية معادل وازن لكل تضحية، في حساب التطلعات والتوقعات. 
*****

تأملات مريضة بالشهداء:
 لطالما وجدت في مواكب الشهداء احد مظاهر استمرار الثورة والقضية. اليوم أصبحت أرى طقوس الشهادة إعلامية محضة، إعداد الأكاليل من وعود زائفة، إرسال النعي إلى جميع الوسائل الاعلامية، إغلاق بيوت العزاء على القصة الكاملة، وترك الشهيد ينام على مسمار. 
لا أطمح في حال أكثر كلفة، يكفي أن نحافظ على كل قصة، يكفي أن نعطي الحزن مهلته الكافية التي يستحقها. وأن نصدر قانونا يحمي ملكية الحكاية الغريبة. 
أزور قبرك، أنقل رفاتك في موكب بديع إلى محراب آخر؛ لي وحدي، أرسل نعيك من جديد إلى حنايا ما تبقى من نبض الروح، أدفنك مع ذكريات الموت الطارئ، أضع فوقك أوراقا من فتات الأحرف المنتحرة، أمنع عينيّ من البكاء، وأعود لارتداء أثواب الحداد.
لا زوار للمقبرة سواي، أ فتح ذراعيَّ على مصراعيهما، يد على قبرك والأخرى على قبورهم. لا وقت لحفظ الأسماء، الذاكرة مزدحمة وتحتاج إلى «فرمتة» والبدء من جديد. كانوا اسماءً تحولت إلى ملصقات قبل أن تتلاشى. سأصادف جنازة تمر مسرعة في موكب بديع، يتقافز الشباب حول الشهيد كأنهم يركبون على زنبرك نابض، تلقي المقاهي والدكاكين على الشهيد نظرة الوداع، يتساءل المارة من يكون، تسقط عليه بعض الزهور قبل النزول إلى الحفرة. يلقي المحترمون الخطابات، ينفض الحفل، وتبقى سيدة تنثر التراب. 
*****

الصراع في الشارع وعليه: 
اعتقد بعضنا بداية أن الحركة الشبابية مجرد استعراض شبابي موسمي، هواة يتقلبون ريثما يستقر مستقبلهم على هواية ما. سرعان ما يتبين أن حراكهم أعمق من الهواية بكثير، يستند على إرث موضوعي، يعبر عن وجع متنوع ومتعدد الهوية والايمان. 
سأتساءل إن كانت القوى الوطنية ستمرر الإهانة التي وجهت لها لدى ممارسة حقها في التعبير عن موقفها السياسي والوطني في الشارع، سأرى بأن الحدث أكبر بكثير من أن يُمرر بسهولة تؤدي الى تشريع القمع، وإن مرّ، فيجب القاء السلام على ائتلاف منظمة التحرير مع وداع اليوم الأخير. 
جردة حساب الحاضرين في الشارع، وميزان الأرباح والخسائر، القوى الوطنية المنظمة وغير المنظمة، تهديد انفراط العقد السياسي والاجتماعي بين القوى المؤتلفة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. سحابة سوداء تظلل المكان، فجوة كبيرة تفصل بين المواقف، سنودع السنة دون توحُّد على الهبة - الانتفاضة ضد الاحتلال. وداع اليوم الأخير للسنة الراحلة لا يعني رحيل أحداثها، ولا يمكن زوال أثر الأداء الرمادي لصانعي يومياتها.. 
سأبقى أتساءل، كيف يمكن قمع الشركاء في القرار بهذه السهولة التي رأيتها، ما معنى الضرب المبرح للقوى السياسية التي تجلس على مائدة الرئيس وتشارك نظريا في اتخاذ القرار. انظروا حولكم، فماذا أن ينفرط العقد الذي يجمعكم.. 
*****
تأملات ديجيتال في وداع اليوم الأخير: ما بين ذاكرة تشكلت في أماكن متباعدة أمشي، أمشي «كروبوت» بينما تتحول ذاكرتي من ذاكرة ورقية إلى ذاكرة رقمية، وتفقد عاداتي حميميتها ودسمها الجميل ... لم أعد أنزع ورقة عن التقويم المعلق في مكان تمرست عليه يدي اليسرى، فهاتفي النقال يتولى المهمة، يصادر ذاكرتي ويتحكم في وقتي ويسيطر على معلوماتي وأصابعي.. وأنا لا أبالي بل سعيدة بالخدر الذي يتجول في أسلاكي.   

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد