كلما أنهيت قراءة ما نشرته كتائب "القسام" حول اختطاف الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط ورحت اتمعن الصور وصولا الى المسكوت عنه خرجت باستنتاج "صفر"، حتى تذكرت ما كتبه أحد سائقي سيارات الأجرة في غزة ذات يوم على سيارته عبارة "اللي فاهم يفهمني" في إشارة إلى حدوث الشيئ ونقيضه في تصريحات المسؤولين السياسيين.

ربما كان مثار الفضول والدهشة ما سبق تلك الصور والشروحات المرافقة عبارة "سُمح بالنشر" من قبل القائد العام لكتائب "القسام" محمد الضيف. وما يرفع منسوب الإثارة القول أن هناك من الأسرار ما لم يتم الكشف عنه بعد، لإبقاء متلقي الرسالة الاعلامية مستنفرا ومنتظرا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت..

بداية، لا بد من الاعتراف أن القراءة الاعلامية تختلف عن القراءة الأمنية، فلكل أساليبها وأهدافها، مثلما يختلف صدى هذه الرسالة في الجانب الاسرائيلي عما تحدثه محليا.

يبدو من الصور المنشورة أن الجندي الأسير كان في وضع مريح نفسيا يعيش في مكان نظيف تدل ابتسامته وخاطفيه الذين عرفنا أنهم اصبحوا شهداء، أن ظروف اقامته بيننا خلت من كل ما يمكن أن يكون مادة لمنظمات حقوق الانسان مهما كان انحيازها للاحتلال.

إذا حاولنا القراءة من زاوية أخرى سنجد هدفين موجهين للجانب الاسرائيلي الأول: "تذكيري" بما لدينا من جنود أسرى (أحياء أو أموات)، والثاني: دعوة للبدء بمفاوضات وتبادل للأسرى.

بعيدا عن لغة التهويل والتمجيد، وقدرة "القسام" على الاحتفاظ بشاليط مدة خمس سنوات رغم الجهود الاسرائيلية الحثيثة لمعرفة مكان تواجده لتحريره، اصبح من الماضي ولا قيمة له. فالتجربة تتحدث عن نفسها، والمؤكد أن شاليط خضع بعد عودته لتحقيقات مكثفة للاستفادة مما قد يحدث مستقبلا، ومحاولة معرفة الاماكن التي من المتوقع أن يتواجد فيها الاسرى الجدد، وكذلك نفسيات أسريهم... كل ذلك لن يساعد الإسرائيليين في شيئ سوى استخلاص نتيجة مؤداها أن جيشهم يقاتل قوة تتحلى بروح من الصبر على الشدائد واليقظة الأمنية مثلما تمتلك قدرات قتالية متقدمة يحسب لها.

يبقى السؤال: ما المفيد في استحضار تفاصيل عملية انتهت قبل خمس سنوات؟

التاريخ شيخ وقور يعلمنا أن الاحتلال لن يهدأ وهناك مَنْ قتل أحد جنوده مازال حيا يرزق، فضلا عن استبدال شاليط باخرين، مثلما يعلمنا أن لعبة الوقت على جانب كبير من الاهمية وأن ارتباك أحد الطرفين سيقود إلى عواقب قد تصب في مصلحة الطرف الاخر.

ومع ذلك، لا يشير نشر تلك الصور الى فعل عبثي، وأن رسالة "القسام" موجهة إلى الجانب الاخر بدرجة أساسية، لكنها تحمل في طياتها بنية تحتية عميقة لم تشر الصور إليها صراحة، نحاول مساءلتها: هل هي الاحساس بمعاناة الاسرى وابتعاد لحظة الخلاص، سيما وأن هناك مَنْ عاود الاحتلال اعتقالهم من محرري صفقة شاليط، أم محاولة لإبقاء الوضع الامني على سطح الاحداث بعدما عكس الجناح السياسي لحركة حماس جمودا وأزمة في التعامل مع الملف الداخلي لم يعد مرضيا عنه؟ أم كل تلك الأسباب مجتمعة؟ ربما.

هل هي تعبير عن فشل جهود المبعوثين الدوليين، أم رسالة تحذير خاصة إلى الاسرائيليين بزيادة عدد الجنود الأسرى في أية مغامرة قادمة؟ نرجح أيضا.

إذا كانت الرسالة تخلو من مضمون داخلي واضح، فإنها تبقى غنية في عمقها ودلالاتها لدى الجانب الاسرائيلي، والمعنيون بمضمونها أكثر قدرة على فهم خباياها وجدية المرسِل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد