لم يكن العام 2015 عاماً مثالياً للشعب الفلسطيني، فواقع الحال الذي يفرضه الاحتلال - سواء بالاستيطان المكثّف أو الاعتداءات بأشكالها كافة أو سياسة التهويد الممنهج للقدس أو تغيير الوضع القائم في الحرم القدس ي - كشف الكثير من عوراتنا على الصعيد القيادي والفصائلي، حيث لم نكن قادرين على فعل المواجهة.

كنا نستنكر ونشجب الاستيطان ومصادرة الأراضي، ولكن البناء في المستوطنات تواصل على الرغم من ذلك، وعبارات الشجب سرعان ما كانت تذوب خلال أيام، لنعود بعد أسبوع أو أسبوعين لاستخدام آليات الاستنكار نفسها.
تهويد القدس يكاد يتحقق، والأحياء المقدسية لم تعد سوى جزر صغيرة في محيط يهودي، خاصة الأحياء المجاورة للبلدة القديمة ومن بينها الشيخ جرّاح، وسلوان، وواد الجوز ورأس العامود... أما الحرم القدسي فكان عنوان العام 2015 صهيونياً هو التقسيم المكاني والزماني، وقد تحقق ذلك جزئياً... بل تعمّدت حكومة نتنياهو تجاهل المطالب العربية والدولية بعدم المساس بالأمر الواقع... وعلى الرغم من تعهُّدات نتنياهو لأطراف دولية وعربية لها مصالحها بالإبقاء على الوضع القائم منذ العام 1967 فإن الأقوال كانت مناقضة تماماً لأفعال المستوطنين المدعومين من سلطات الاحتلال، وأصبحت ساعات ما بعد الفجر إلى ما قبل صلاة الظهر في الحرم القدسي مخصّصة للمستوطنين... الذين لم يكتفوا بالزيارات المنظمة، بل تعدّوا ذلك إلى ممارسة شعائرهم الدينية... ولولا ثلّة من المرابطات اللواتي واجهن سياسة التقسيم بالتكبيرات لوصلنا إلى مرحلة التقسيم الزماني والمكاني بشكل فعلي.
العام 2015 كان عاماً جافاً سياسياً، وجدنا أنفسنا فيه في خضّم تغييرات كبيرة في المنطقة: ثورات انتهت بحروب أهلية وتدمير دول والاستمرار في تقسيم أخرى وتغذية النعرات الإثنية، وأصبح العمق الإقليمي العربي شبه مغيّب عن القضية الفلسطينية، التي لم تعد قضية العرب الأولى، وحتى التضامن بحدوده الدنيا افتقده الفلسطينيون... حتى الدعم المالي أصبح أقرب إلى التسوُّل منه إلى حق أساسه أن الفلسطينيين هم خط الدفاع عن كثيرٍ من العرب!.
وعلى المستوى الدولي، أيضاً، لم يعد الفعل الفلسطيني الرسمي قادراً على الاختراق... نبدأ ثم لا نستطيع استكمال البدايات، وعلى سبيل المثال ما حصل في محكمة لاهاي بالنسبة إلى الجدار: الاعتداءات على قطاع غزة ... وجرائم الحرب التي ارتكبت، حتى محكمة الجنايات لا نعرف إن كنا قادرين على المواصلة، أم أن الأمر سيستغرق عدة سنوات عجاف لا نعرف متى ستكون نهايتها.
إذن هذا واقع العام 2015... حتى الربع الأخير منه، عندما بدأت الهبّة الشعبية، دون سابق إنذار، وربما في مخالفة للتحليلات السياسية السابقة جميعها.
قيادات المنطقة تفاجأت بشكل الهبّة التي اختلفت عن الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى، فحاولت قدر الإمكان أن تستفيد من تجربة الانتفاضة الأولى ببعدها الشعبي الحقيقي وأن تكون المواجهات مع الاحتلال في مناطق التماس من خلال الحجر، وأن تستفيد من أخطاء انتفاضة الأقصى، وخاصة مفهوم «العسكرة»... فكانت منذ البداية رافضة لأي مفهوم قائم على العسكرة... بل إن محاولات محدّدة لجرّ الهبّة إلى هذا الطريق باءت بالفشل... خاصة بعد التحذيرات التي أطلقت من شباب الهبّة بأن فعل العسكرة يخدم الاحتلال بشكلٍ رئيس.
الهبّة الجماهيرية التي أخذت الطابع الفردي في أشكال المقاومة المختلفة، لم تترك مجالاً لسلطات الاحتلال لتجد حجّة للتدمير والتخريب كما حدث في انتفاضة الأقصى أو العدوان على غزة.
بل على العكس وجدت الحكومة الإسرائيلية نفسها في زاوية ضيّقة، كما بدأت التحركات الدولية السياسية تجاه القضية الفلسطينية من خلال الاتصالات المكثّفة مع القيادة الفلسطينية، وألقي حجر أكبر مما هو متوقع في المياه السياسية الراكدة... وربما وجدت السلطة الفلسطينية فرصة ثمينة لإحداث تغيير ما... ولكن السؤال الذي ظلّ معلقاً: هل استغلت القيادة الهبّة سياسياً... بمعنى هل هناك إنجاز سياسي على الأرض؟... سؤال مفتوح... ولكن تحت كل الظروف فإن الهبّة الجماهيرية هي من أنقذت القضية الفلسطينية والقيادة من موسم سياسي واقتصادي جاف!!.
abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد