بعد دخول روسيا على خط الحرب داخل سورية، بشكل عسكري مباشر، واضح وعلني، تسارعت احتمالات الحسم لذلك الصراع الدائر في ذلك البلد العربي منذ أقل قليلا من خمس سنوات، وهناك تقديرات جدية تشير إلى أن العام الجديد 2016 سيشهد توقفا لتلك الحرب، ليس لأن المتصارعين قد تعبوا، ولا لأن أحدهم قد اقترب من إحراز النصر المؤزر، ولكن لأن دخول روسيا قد جعل من تلك الحرب واضحة ومحددة، وبعيدة تماما عن أهداف أو تطلعات كان الشعب السوري قد حلم بها، ونقصد بذلك الحرية والديمقراطية، وما إلى ذلك من مصطلحات يضمها قاموس حقوق المواطن في الدولة المدنية.
لقد سقط حتى الآن نحو ربع مليون قتيل جراء الحرب، وتشرد داخل البلاد وخارجها نحو نصف الشعب السوري، ولا يمكن تصور حجم ومستوى الدمار أو الخسائر الاقتصادية، فضلا عن التخلف الاجتماعي والإعاقة والآثار النفسية، وما إلى ذلك، كذلك وحدة البلاد التي لم تعد قائمة، فضلا عن دورها الإقليمي ومكانتها السياسية. ومن غير المتوقع _ بالمطلق _ أن تعود سورية كما كانت، لا في المدى المنظور، ولا في المدى البعيد، فمن هاجر من البلاد، لن يعود إليها مجددا، ومن قتل لن يعود للحياة، كما أن حالة التقسيم على الأرض، ونتيجة لحل سياسي يلوح في الأفق لن تنتهي، وبالنظر إلى أن "ظاهرة" تقسيم الدول العربية جارية منذ أكثر من عقد من السنين، العراق، فلسطين، ليبيا، وسورية، فإنه ما لم تنته الحرب بمنتصر ومهزوم _ كما يبدو الأمر في اليمن مثلا _ لا يمكن توقع أن تتوقف الحرب في سورية بوحدتها !
لقد أعاد دخول روسيا العسكري في الحرب في سورية للأذهان، حرب كوريا في خمسينيات القرن الماضي، وأعاد إلى الأذهان نتائج الحرب العالمية الثانية التي انتهت بتقسيم كوريا وألمانيا، لكن مع ذلك لابد من قراءة الوقائع والنتائج المتوقعة وفق منطق ما بعد الحرب الباردة، حيث انه صحيح أن روسيا تظهر كدولة إقليمية أولى، كذلك كدولة ثانية عسكريا، على الأقل، على المستوى الكوني، لكن ما لابد من لحظه، هو أن انتصار أميركا في الحرب الباردة قد "عمّم" كونيا ثقافتها السياسية التي أساسها "البزنس" أكثر وأوضح مما اعتدنا على تسميته بالمصالح.
أي أن الدول والجماعات والشركات العالمية باتت تمارس السياسة كبزنس، ولتحقيق الأرباح المالية المباشرة، وليس أدل على ذلك من حجم التضخم المالي الذي يكتسح العالم مع ظهور "المليارديرات" والتضخم الفلكي للثروات الشخصية ولميزانيات الدول والشركات، وهنا لابد من الإشارة إلى التقارير التي تشير إلى أن أميركا ما زالت تحتكر تجارة السلاح، التي زادت مبيعاتها منه بنسبة 35 % خلال العام المنتهي 2015، ووصلت إلى نحو 35 مليار دولار، وهي تبلغ نحو نصف مبيعات العالم ! 
كذلك الإشارة إلى حجم "الاستثمارات" التي تقوم بها الدول جراء تدخلها في الحرب لإسقاط الأنظمة، وقد بلغ حجم ما صرفته الولايات المتحدة في حربها لإسقاط صدام حسب دراسة معهد واتسون التابع لجامعة براون عام 2013 ( 1.7 ) تريليون دولار إضافة إلى نحو 190 ألف قتيل، كذلك يقال بان ما صرفته دول الضد في سورية يتجاوز عشرات المليارات، ( نشير هنا إلى أن التقديرات تشير إلى أن خسائر الدول العربية بسبب داعش تجاوزت التريليون دولار وان ما استوردته السعودية، قطر، الإمارات وعمان من السلاح عام 2014 تجاوز المائة مليار دولار ). صحيح أن للبعض كانت هنالك خطط مرتبطة بمصالح وأهداف سياسية من نمط تحويل وجهة الصراع في الشرق الأوسط من صراع بين العرب وإسرائيل إلى صراعات داخلية بين العرب وإيران أو إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة، وما إلى ذلك، لكن شيئا فشيئا، يتضح بأن محوري المواجهة أو طرفي الحرب في سورية بالذات، باتا بين محور تتزعمه روسيا وآخر تتزعمه تركيا / قطر! 
لماذا تدخلت روسيا عسكريا بعد أن كانت حليفا سياسيا للنظام السوري خلال سنوات الحرب السابقة، ولماذا تدخلت في سورية بالتحديد ولم تفعل الشيء ذاته في ليبيا، العراق، اليمن، مثلا؟ هذا سؤال جدي ومهم، يظهر أو يشير إلى دوافع الحرب في فصلها الذي قد يكون هو الأخير، ولأنه كذلك هناك ما يرجح أن يشهد العام الجديد توقفا لها، أو توصلا للحل السياسي، الذي لا يسقط الأسد وإن كان ربما يطوي صفحة حكم البعث والأسد معا، ولكن بالتدريج، ويبقي على موطئ القدم لروسيا في المنطقة.
ما الذي يقف بين روسيا وقطر، أهم داعمين لطرفي الصراع الداخلي في سورية، أو ما هو العامل المشترك بينهما، وقد ظهرت في السابق كثير من المشاحنات بين البلدين، نقول بان التقديرات المرتبطة بإنتاج الغاز الطبيعي تشير إلى أن روسيا الآن هي أول دولة مصدرة لهذه الطاقة في العالم، فيما تجيء قطر في المكانة الثانية، كما أن الحقائق تشير أيضا، إلى أن شركات التنقيب عن الغاز تعلن تباعا عن أن الشاطئ الشرقي للمتوسط تحتوي على آبار ضخمة جدا للغاز، إن كان تلك التي على الشاطئ السوري، اللبناني، الإسرائيلي وصولا إلى مصر ومرورا ب غزة .
لذا فان فصول ووقائع الحرب في سورية أظهرت إلى أي مدى يتجاوز البزنس السياسي الآن الأخلاق وحتى المصالح، حين يقال بان "داعش" مثلا تجد في سيطرتها على حقول النفط السورية مصدرا لقوتها، كذلك تجد في تركيا سوقا لبيع ذلك النفط المهرب، وربما لا يطول الوقت حتى تعلن "الأحلاف" العسكرية بوضوح كما حدث في الحروب الكونية السابقة، مع تتابع المعلومات التي تقول بان تركيا بدأت في إقامة قواعد عسكرية لها في قطر، ومع توارد المقترحات التي تشير إلى أن تركيا اقترحت على إسرائيل إدارة غزة، ربما كما كان حال غزة مع مصر قبل عام 67، في الوقت الذي ما زالت فيه قطر مصرة على أهمية غزة بالنسبة لها، كذلك سعيها، بعد فشل السيطرة على مصر بالإخوان، للسيطرة على سيناء بعد إخراجها من عباءة الدولة المصرية !
Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد