كما يحق للجيش المصري بأن يقوم بتصوير إحداث قيام المواطن الفلسطيني – المُعاق جسديّاً - "إسحق حسان " باقتحام حرمة المياه المصرية، نهار الخميس الماضي، بعد نجاحه بقتله، بعدما قرر إطلاق وابلٍ من الرصاص عليه بطريقة مؤلمة، فإنه يحق له أيضاً الحديث عن انتصار، وأن يرفع شارة النصر في ختام الجولة، سيما وأن الجنود الذين تولّوا مهمّة تنفيذ العملية الجسورة، قد عادوا واستقرّوا في قواعدهم بسلام.

لقد تم قتل "حسان" تحت عِلم الجيش المصري، بأنه ليس من الأسوياء، وممن لديهم رخص إلهيّة، سيّما وأن الرّائي له يقطع باليقين، بأنه ليس على سلوك سوي، فعلاوةً على تركه دلائل (مرضيّة) واضحة (وإن بدت كأعراض لاحقة)، تُوحي بأنه كذلك، فالمشي عارياً بموازاة الشاطئ، وبلا أي مبالاةٍ مقصودة، وليس باتجاه الجنود، وتحت شمس النهار، وهي كافية بمفردها، فإن الإشارات المتكررة من أحد أفراد الحرس الفلسطيني والذي كان متواجداً في المكان، بعدم إطلاق النار، والتي تكشف بأن المقتحم لا يسمع التحذيرات، ولا يعي ما يفعل أو ما يدور حوله، - انظروا الفيديوهات المصورة- لم تمنع أحداً لأن يأبه لأيّ من تلك الدلائل أو الإشارات، وبادروا بإطلاق النار من غير شفقة ولا رحمة، ولم يفتروا، حتى شاهدوا دمائه تنفجر في مياه البحر.

برغم أنها مؤلمة وتصعُب مشاهدتها أو الإنصات إلى سماعها، إلاّ أن الفلسطينيين سيتجهون وكما هي العادة إلى ابتلاع تلك الحادثة، باعتبارها حادثة من جملة الحوادث الدمويّة التي يخضعون لها شرقاً وغرباً وفي أنحاء البلاد، والتي تدوم منذ الأزل وحتى هذه الأثناء، برغم عِلمنا بأن الجنود، كان بوسعهم التمييز بين العاقل وغير السوي، وبأنهم تلقّوا أوامر فوقيّة قاطعة، ولكن ما يحزّ في النفس، هو أن الحادثة من بداية المبادرة بالقتل وانتهاءً بإبداء النصر، تدل على الكمية الهائلة من الغل والكراهية الموجهة للفلسطينيين، وكأنّهم الأعداء الحقيقيين للدولة المصرية.

كما أن قيام الجيش المصري بإلقاء المسؤولية، على عاتق قوى الأمن المسؤولة عن تأمين الحدود مع مصر، باعتبارها هي التي سمحت لـ "حسان" بعملية الاقتحام الفاشلة، أو لأنها لم تقُم بالتصدّي له، هي تُعتبر لدينا من عويص المسائل في نفس الوقت، وحتى في حال حدوث الرواية المصرية بحذافيرها، فإن بإمكان الجيش المصري إلقاء القبض عليه واعتقاله ببساطة، ومن ثمّ تسجيل نقطة ضد قوى الأمن هذه، كما أن ما يحطّ من النفس أكثر، هو عِلمنا، بأن مثل هذه الحادثة وما قد يكون أكبر منها، ليس من الممكن أن تتم في الجانب المقابل، وحتى في حال تكرارها، من ذلك الجانب.

خلال السنوات الأخيرة شاهدنا، آلافاً من العرب والأفارقة، يجتازون الحدود باتجاه إسرائيل،- نحن لسنا مع ذلك السلوك- ودائماً كانت تكمن خشيتهم من أن يصدفهم الجيش المصري، لأن ذلك يعني نهاية لحياتهم الدنيا، فإذا ما تجاوزا الحدود بمترٍ واحدٍ  فقط، شعروا عاجلاً بالأمن والأمان، باعتبارهم انتهوا من رحلة العذاب.

حين شعرت إسرائيل بالضيق من أولئك المغامرين، باعتبارهم غير شرعيين، قامت ببناء جدار شائك هدف إلى منع موجات تدفقهم، أو للحد من هبوطهم لديها، ولم تقم بنصب النار على طول الحدود، ففي كل مرّة كانت تطالعنا الأنباء، بأن الجيش المصري بادر بقتل أشخاصٍ كانوا يهمّون باجتياز الحدود، وكان آخرهم قيامه بقتل 17 سودانياً كانوا ينوون اجتياز الحدود إلى إسرائيل.

على أي حال، فإن ما حدث يُعتبر حادثة كبيرة، لكن قيام الخارجية الفلسطينية بمتابعة ملفاتها، يُعتبر حادثةً أكبر، بسبب التساؤل حول لماذا تلك المتابعة؟ وفيما إذا كانت هناك فوائد مرجوّة تسعى إليها.

بالتأكيد منذ البداية، فإن الخارجية، لن ترجع بكيسٍ مملوء، إذ حسب التجارب المتواترة، فإن الحصول على اعتذار على سبيل المثال، أو حتى على أي أسف، هو من الأمور المستبعدة جداً، سيما وأن الفلسطينيين (منذ ولادتهم) وعلى مرّ نموّ حياتهم، لم يعثروا على أي اعتذار أو أسف من قبل، برغم العديد من الأخطاء المصرية باتجاههم، والتي كانت تمر بشكلٍ يثير التساؤل والعجب في آنٍ معاً، ويعزز في نفس الوقت الشعور بالضعف والمهانة.

هذا ليس تحاملاً، وفي ضوء عدم نكران أيّة مجهودات قام بها الشعب المصري من أجل فلسطين والفلسطينيين بالمناسبة-، كما وأن كل ما تقدّم، لا ينفي أن تُفاجئُنا القيادة المصرية، بأمور لا تخطر على البال، كأن تقوم بتقديم اعتذار- لذوي "حسّان" على الأقل- أو تقوم ب فتح المعبر للمرضى والمحتاجين والضعفاء، على الأقل أيضاً، كما ونأمل بعدم تكرار تلك الحادثة، لأن بسببها سيكون من الصعب على الفلسطينيين، تأدية أي احتجاجات أو انتقادات باتجاه إسرائيل، خاصة وأن من شأن تلك الحادثة، أن تعزز من مواقفها المتشددة باتجاه الشعب الفلسطيني. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد