كشف النقاش حول استشهاد سمير القنطار الكثير حول المفاهيم المغلوطة المتعلقة بالوطنية والانتماء. 
فموقف البعض الذي خلط بين النضال من أجل تحديد فلسطين وبين انتمائه لسياقات حزبية وانتمائه لسياقات خارج حدود الوطنية. 
فالنقاش أساء في جله إلى كل هؤلاء المناضلين الذين عملوا من أجل فلسطين وأفنوا عمرهم بحثا عن حريتها. 
فهم حين انخرطوا في الثورة الفلسطينية وغادروا بلادهم ليحملوا السلاح من أجل القتال مع الثورة لم يكن في بالهم غير فلسطين وقبلوا أن يدفعوا كل ثمن مطلوب من أجل ذلك. 
لم يكن في بالهم أي شيء آخر غير فلسطين. 
لا يمكن لنا في خضم أي موقف أن نطلب من هؤلاء أن يلتزموا معنا بكل المواقف المختلفة التي نتبناها حتى من قضاياهم الخاصة بوطنهم أو تلك التي خارج حدود بلادهم. 
فهم لم يلتحقوا بالنضال الوطني الفلسطيني من أجل أن يتنازلوا عن كل مواقفهم المتعلقة بالقضايا الأخرى غير تلك التي لا تمس فلسطين. 
والحكمة في ذلك أن من التحق بالثورة الفلسطينية لم يلتحق من أجل أن يصبح فلسطينيا أو حزبياً ألفاً بالمائة بل من أجل أن يقاتل بحثاً عن حرية فلسطين وعودة شعبها إلى مدنه وقراه المهجرة. 
وعليه، سيكون من الغبن أن نتوقع منه الالتزام بما نعتبره مواقفنا الصلبة أو تلك الهشة المتعلقة بالمتغيرات الإقليمية والدولية. 
وتأسيساً على السابق، فإن الهجوم غير المبرر الذي تم على سمير القنطار بعد استشهاده يعكس رغبة البعض في إظهار هذا التعصب الحزبي البغيض الذي لا يطمح لشيء إلا أن يتبنى الجميع نفس الموقف ويقف الكل على نفس الضفة من النهر بغية تحقيق مقولة الشعب الأعمى الذي يسير بلا وجهة نحو المستقبل. 
فلم يكن سمير القنطار بعد خروجه من السجن وتقضيته ثلاثين عاماً من عمره أن يخرج ويشاور فصائل الشعب الفلسطيني عن ما هو الموقف الذي يجب عليه أن يتبناه بخصوص القضايا القومية العربية التي وللحق يهم بعضها سمير القنطار أكثر مما يهم الكثير من فصائل الشعب الفلسطيني التي ترك دورها بقعاً سوداء في الأزمات الإقليمية الراهنة. 
فالموقف الذي أشار له البعض حول مساهمة سمير القنطار في الأزمة السورية هو بداية ليس محل إجماع الكل الفلسطيني. 
فالفلسطينيون ليسوا مجتمعين حول موقف محدد من الأزمة السورية فالبعض يقف مع طرف فيما اختار البعض الآخر الجهة الأخرى من الصراع ليقف معها. وحقيقة الأمر أن جل الشعب الفلسطيني لم يكن يرغب في أن يكون الفلسطينيون طرفاً في هذا الصراع الذي نجح في تمزيق سورية وتفتيت وحدة الدولة والوطن. وربما قد يستحضر البعض كل هذا العويل والصراخ الذي يبدر من الكثيرين حين يتم تذكر المآلات السوداء للربيع العربي الذي لم تجن منه الدولة العربية سوى الأزمات المتتالية على كافة الصعد. 
وسورية لم تكن استثناء في ذلك، بل يمكن القول إن سورية ربما دفعت الثمن الأعلى، ولا يبدو من المنظور القريب أن سورية ستتعافى من تبعات هذه الأزمات. هذا موضوع آخر لسنا في وارد مناقشته الآن. 
بيد أن ما حدث في سورية بغباء أو بقلة إدراك البعض للمستقبل نجح في جر الفلسطينيين إلى أتون الأزمة التي دفع فيها الفلسطينيون ثمناً غالياً نتج عنه تدمير مخيم اليرموك وبعض المخيمات الفلسطينية الأخرى وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين في نكبة ثانية لم يكونوا في أسوأ كوابيسهم يحلمون بها. 
ويمكن لمراجعة وطنية شاملة أن تشير بإصبع الاتهام للكثيرين وتطالب بمحاكمات ثورية لهم على الجرم الذي اقترفوه حين زجوا بالمخيمات الفلسطينية في عين اللهب وجعلوها مسرحاً للمعارك. 
ولكن الأمر الأكثر بشاعة في كل ذلك أن يتم نقل هذا الزج من مستوى الممارسة إلى مستوى الوعي. 
بمعنى ألا نكتفي بأن نكون طرفاً رغماً عن أنفسنا بل نقوم برسم الدور المطلوب من كل من يحب فلسطين ونطالبهم أن يتبنوا هذا الموقف أو ذاك. 
مرة أخرى لا يتعلق الأمر بمجرد موقف من استشهاد مناضل أفنى عمره في سبيل فلسطين بل يتعلق بتفكيك الوعي خلف هذا الموقف. 
الوعي المؤسس على نفي الآخرين وسلب إرادتهم ومحاولة تطويعها لصالح مشاريع حزبية ومواقف مسبقة لا تخدم الأجندة الوطنية بل تخدم أجندات خارج حدود الوطن. 
فلو أن من اتخذ موقفاً من سمير القنطار بناه على أساس علاقة سمير القنطار بفلسطين أو مدى قربه أو بعده من المصلحة الفلسطينية لكان محقاً فيما يقول. ولكن ما تم أن الموقف المسيء للنضال الوطني الفلسطيني تم على أساس المواقف الحزبية العابرة للوطنية. 
إنها المواقف التي تتخذ من الحزب الأم ومصالحه وارتباطاته الخارجية مرجعية في تحديد المواقف وتبني الأدوار، لأنه كما أسلفنا يمكن الجزم أن جل الشعب الفلسطيني لا يرى فيما يحدث في سورية مصلحة لفلسطين، ويمكن لسمير القنطار لو قدر له أن يكون فلسطينياً من هذا الجل. 
عموماً لابد لنا دائماً أن نقيس الأمور من زاوية فلسطينية وليس من زاوية خارج فلسطين، ولا بد لنا دائماً أن نكون شعباً شكوراً نمتن لمن شاركنا الثمن ونذكره بالخير، بصرف النظر اتفقنا أو اختلفنا مع مواقفه، ونذكر بالخير كل من أفنى عمره في سبيل فلسطين. 
ولابد لنا أيضاً أن نعلي من فلسطين ومن وطنيتنا بعمقها العربي وامتدادها الإسلامي والإنساني، لا أن نجردها من كل شيء يتعلق بفلسطين، وتقتصر وقتها على رغبات ومصالح دول وأحزاب دول وأحزاب خارج فلسطين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد