يبدو أننا لسنا على مسافة بعيدة عن تشميس إسرائيل على مساحة المجتمع الدولي، الذي لم يتبق منه إلاّ القليل من الدول، التي يمكن أن تجازف بالدفاع علناً عن السياسة الإسرائيلية.
الأصل في تبني إسرائيل ودعمها بكل أسباب القوة والتفوق هو الولايات المتحدة الأميركية، التي بدورها تؤثر على مواقف القليل من الدول التي تصوت لصالح إسرائيل مثل كندا واستراليا، وميكرونيزيا... وهذه أي الولايات المتحدة لم تعد قادرة على مواصلة الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية كما قال الرئيس باراك اوباما لزميله الرئيس الإسرائيلي ريفلين. 
إسرائيل التي تبالغ في تقدير قوتها وإمكانياتها، وتأثيرها على سياسات حلفائها، وتدير ظهر المجن لكل القرارات والقوانين ومنظومة القيم الدولية، ماضية بتطرف في الوجهة ذاتها، التي تحضر لها مستقبلاً أسود. 
قد يتشاءم المرء حين يخضع للفحص والدراسة الأوضاع السائدة على جبهة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية حيث لا دولة للفلسطينيين ولا دولة لشعبين وأن المخطط الواقعي الذي تعمل عليه إسرائيل، يتجه نحو مصادرة القدس وأغلبية أراضي الضفة، ولكن دون الارتكان إلى القدرية، والحتمية التاريخية، فإن بإمكان الفلسطينيين أن يعجلوا في سقوط الأحلام الصهيونية.
نلفت النظر على نحو لا يمكن تجاهله إلى التحولات التي تظهر على سطح السياسة الأميركية تجاه إسرائيل دون أن تترجم ذلك إلى سياسة جديدة تجاه الفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم.
في الولايات المتحدة، تنكسر قواعد وتابوهات التعامل مع إسرائيل، فلقد تدخلت حكومة نتنياهو في الانتخابات الرئاسية السابقة قبل ثلاث سنوات لصالح المرشح الجمهوري رومني، ولكنها لم تنجح في إنجاح حملته، وتدخلت في الانتخابات النصفية للكونغرس ولكن تدخلها لم يحدث فرقاً.
إسرائيل أضفت أبعاداً شخصية على العلاقة مع الإدارة الأميركية القائمة، ووجهت العديد من الإهانات لرجالاتها بما في ذلك وزير الخارجية كيري والرئيس اوباما، فعلت ذلك وهي تعتقد أنها تملك القدرة على التأثير بقوة على السياسات الأميركية.
بعد ما جرى على ألسنة جون كيري والرئيس اوباما، ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس، ها هي وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون تقدم شهادات مهمة بأن نتنياهو هو العقبة أمام عملية السلام، وان رئيس الوزراء الأسبق ايهود براك كان مغرما في إهدار دم الفلسطينيين.
هيلاري كلينتون مرشحة عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة نهاية العام 2016، وهي حين تسجل شهادتها بحق إسرائيل وزعمائها، لا تخشى ردود الفعل لا من قبل إسرائيل ولا من قبل اللوبي اليهودي الأميركي، ولو أن لهؤلاء تأثيرا حاسما في نتائج الانتخابات لما قالت ما قالته.
حتى المرشح الجمهوري المتعصب ضد المسلمين ترامب، اتهم اليهود، بعد أن اتهم المسلمين بالارهاب، واختار أن يؤجل، أو يلغي زيارة كانت متوقعة لإسرائيل ما يعني أن مكانة إسرائيل تتراجع على مستوى الطبقة السياسية في الولايات المتحدة.
علينا أن نراقب أيضاً تزايد المؤسسات الأكاديمية وغير الأكاديمية التي أخذت تتجه نحو التوقف عن التعامل ومقاطعة المؤسسات الإسرائيلية.
سبقت أوروبا الموحدة الولايات المتحدة في تفهم طبيعة الصراع، ومسؤولية إسرائيل عن تعطيل عملية السلام، وسبقتها في اتخاذ إجراءات عقابية من نوع مقاطعة بضائع المستوطنات، هذه المقاطعة التي تتسع يوماً بعد الآخر، من خلال إجراءات تتخذها منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الخاصة.
غير أن السياسات الأوروبية الرسمية، لا تزال متخلفة عن ملاحقة نوع وحجم الانتقادات التي أخذت تصدر في الأشهر الأخيرة عن الإدارة الأميركية، بالرغم من أن السياسة الأوروبية بصفة عامة أكثر إيجابية تجاه التعامل مع الفلسطينيين وحقوقهم.
تفسح الانتقادات الأميركية المجال أمام الدول الأوروبية للتقدم نحو اتخاذ مواقف أكثر انتقادية وأكثر عقابية بحق إسرائيل هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى أن تبدأ هذه الدول بالاستجابة لتوصيات برلماناتها التي سبق أن طالبت بالاعتراف بدولة فلسطين.
البيئة الدولية إذاً مناسبة لكي يتقدم الفلسطينيون والجامعة العربية، بجملة من مشاريع القرارات التي لم يكن ممكناً تقديمها في أوقات سابقة، ونحو دفع المزيد من ملفات جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل إلى الجناية الدولية، والمؤسسات الحقوقية.
ليس في وسع إسرائيل أن تراجع سياساتها وأن تتراجع إلى الخلف بعد كل ما جرى من «تقدم» نحو المزيد من التشريعات والقرارات، العنصرية، وبعد كل ما خلقته من وقائع على الأرض تنسف كل إمكانية للتعاطي الإيجابي مع الموقف الدولي إزاء عملية السلام وآفاقها ورؤية الدولتين.
وليس في وسع المجتمع الدولي أن يحتمل كما كانت الحال في سنوات سابقة سياسات دولة تمارس الارهاب، وتنتهك كل القيم والمعايير وتندفع نحو العنصرية. 
يرتب ذلك على الفلسطينيين أن يفعلوا كل ما يؤدي إلى تأكيد عنصرية إسرائيل. 
الانتفاضة هي السبيل إلى ذلك لكنها بحاجة إلى حملة دولية، تقوم بها كل مكونات المجتمع الفلسطيني ومؤسسات منظمة التحرير، تجند من خلالها، الحضور العربي والإسلامي في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لدفع إسرائيل نحو مزيد من العزلة المجتمعية والسياسية. ودون تكرار المعزوفة المشروخة بشأن الانقسام، فهل يتفق الفلسطينيون على هذا الأمر كحد أدنى؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد