2014/07/11
40-TRIAL-
لم يكن مستغرباً، ولا كان خارج التوقعات المنطقية أن تتدحرج كرة النار، وأن تتجاوز الأوضاع، حسابات إسرائيل، التي اعتقدت كل الوقت أنها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، والتي تتحكم في وجهة الأحداث من بداياتها حتى نهاياتها.
في هذه المرة، لم تكن إسرائيل لتنجح في إقناع مصر، بالتدخل الفعال من أجل التوصل إلى تهدئة مع حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة ، تهدئة توسلتها إسرائيل، ولكنها أرادت أن تتم بدون أن تدفع أي ثمن مقابل تحقيقها.
في تاريخ اتفاقيات أو تفاهمات التهدئة، وهو تاريخ حافل، لم تكن إسرائيل في حاجة ماسة، إلى التهدئة، إلى درجة التوسل، كما حصل، خلال الجولة الحالية، من اندلاع العنف بينها وبين فصائل المقاومة، ولا عانت إسرائيل من عمليات فشل أمني واستخباري خلال وقت قياسي، كما عانت منذ اختفاء المستوطنين الثلاثة.
حاجة إسرائيل للتهدئة هذه المرة، لها أسباب عديدة، منها أنها لا تحظى بالغطاء الدولي المعتاد، لحروبها على غزة، فبالرغم من أن الإدارة الأميركية اجترت موقفاً قديماً يقول إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة ما تسميه الولايات المتحدة صواريخ إرهابية، إلاّ أن الإدارة لا تزال تفضل عدم التدخل، بعد أن ذاقت الأمرّين من سياسات نتنياهو وتحالفه المتطرف. على إسرائيل أن تنضج في القدر، وإلى ذلك الحين، حيث ستعود الولايات المتحدة إلى سابق عهدها في تبني السياسات الإسرائيلية، فإن على حكام إسرائيل، أن يفهموا بأن لا أمن لهم، بدون دعم أميركي وبدون ضمانات كلية أميركية.
وبالإضافة إلى هذا السبب فإن نتنياهو، يحتاج إلى هدوء مع غزة حتى يتسنى له التفرغ لمواجهة الأوضاع المتفجرة، في القدس والضفة الغربية وفي الداخل، وما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات، على صعيد مواقف وسياسات القيادة الفلسطينية، التي بدأت تفكر في استدعاء المجتمع الدولي عبر المطالبة بلجنة تحقيق دولية، وطلب الحماية الدولية لدولة فلسطين التي لا تزال تخضع للاحتلال الإسرائيلي.
يخشى نتنياهو أن تؤدي هذه التداعيات، والأوضاع، إلى خلخلة تحالفه الحكومي، الذي أخذت ملامح تصدعه تظهر، من خلال الموقف الذي اتخذه ليبرمان، بفك تحالفه التنظيمي مع الليكود، وفي ضوء تربص وزير الدفاع موشي يعلون بمركز قيادة الليكود بديلاً عن نتنياهو. مقابل ذلك، تقف حماس في وضع الأفضلية، فهي تعاني من أزمات أدت إلى قبولها بالمصالحة، لكن هذه لم تتحرك قيد أنملة بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ما يجعلها تشعر بأن المصالحة كانت عملية مفخخة منذ البداية، وتستهدف إرغام حماس على أن تزحف على بطنها. حماس تدرك ما يعانيه نتنياهو وحكومته وتقرأ جيداً بأن أي تحرك من قبل إسرائيل ضد غزة، محكوم بسقف الهدف الإسرائيلي المعلوم والمعلن، بتدمير المصالحة، ما يعني بقاء الحال على حاله في غزة، وفي الضفة.
حماس التي اشتغلت كالنمل، ولم تضيع وقتاً في انتظار لحظات من هذا النوع، حماس متحررة إلى حد كبير من الحسابات، فهي لن تخسر الكثير في حال نشوب مجابهة مع إسرائيل.
حماس والجهاد، وحركات المقاومة الأخرى، أعدت جيداً لمثل هذه المجابهات، ففي هذه المرة، كما في المرات السابقة، أعدت لإسرائيل مفاجآت، تفشل أجهزتها الاستخبارية في معرفة طبيعتها. في الحرب السابقة وصلت الصواريخ، إلى أطراف القدس وتل أبيب، وفي هذه المرة تجاوزت، ما وصلت إليه سابقاً، وفي هذه المرة، تشكل عملية الضفادع البشرية، مفاجأة لإسرائيل وأجهزتها الاستخبارية، فبالرغم من أن المقاتلين لم ينجحوا في تكبيد جنود البحرية الإسرائيلية خسائر كبيرة، إلاّ أن مجرد وصولهم إلى الشاطئ، يشكل نموذجاً لبعض مما أعدته المقاومة.
مسلسل المفاجآت لا يزال مستمراً، وقد تكون أهمها، ما سيظهر في الميدان إذا فكرت إسرائيل بتوسيع عدوانها إلى عملية برية واسعة تشمل كل قطاع غزة.
إسرائيل التي تتوسل تهدئة لا يتدخل أحد في التوسط بشأنها كل لأسباب خاصة به، بادرت إلى تصعيد خطير، حين أخذت تقصف وتدمر بيوتاً لمدنيين، تجاوز عددها العشرين منزلاً، وأوقعت ضحايا من الأطفال والنساء، وكبار السن. هذا التصعيد النوعي والخطير بعد استهداف بعض المناضلين بالاغتيال، أرادت إسرائيل من خلاله أن تبلغ حماس والمقاومة رسالة مفادها، إما أن تبادروا إلى التهدئة، وإما أن ما تفعله ليس سوى نموذج لما يمكن أن تقوم به، وتتوسع فيه، إلى أن يطال بيوت قادة من حماس، أو اغتيال بعض القيادات.
إن نجحت إسرائيل، وهذا ليس ممكناً، فقد فرضت موقفها، واما إن فشلت، وهو المرجح، فإنها تكون قد اشترت رد فعل فلسطينيا يوفر لها المبرر لتصعيد عملياتها العدوانية ضد قطاع غزة، وهو أمر لا ترغب به مصر، التي طالبتها بضبط النفس، ولا ترغب به السلطة الفلسطينية التي تعاني من تدني شعبيتها، في حال تصاعدت عمليات العنف.
فاشل بامتياز، كيفما أدار نتنياهو وجهه، ومهما كانت خياراته، وسيناريوهاته، والأرجح أنه سيدفع الثمن غالياً حين تهدأ الأوضاع، إذ سيخضع لمحاسبة عسيرة من زملائه قبل المعارضين.
في الواقع، لا يعرف أحد حتى اللحظة، من الذي سيقدم حبل النجاة لنتنياهو وكيف سيتم ذلك، فكرة النار لا تزال تتدحرج، وما من مخرج يبدو في الأفق القريب، ذلك أن التداعيات لن تقف عند حدود ما يجري على جبهة إسرائيل، قطاع غزة، الضفة، والداخل الفلسطيني.
294
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية