من المرجح ألا تكون إسرائيل قد أقدمت على اغتيال سمير القنطار، الأسير السابق لديها، على ذمة عملية عسكرية قام بتنفيذها لصالح جبهة التحرير الفلسطينية، وأسر على إثرها، ثم أمضى بالسجن نحو ثلاثين عاما، بعد عملية تبادل بين إسرائيل و"حزب الله"، قبل بضع سنوات. نقول من المرجح ألا تكون إسرائيل قد أقدمت على اغتيال القنطار، انتقاما أو بدافع مما مضى. 
فهي قد اعتقلته وحكمت عليه خمسة مؤبدات، ثم أفرجت عنه بعد عملية التبادل، قبل نحو ثماني سنوات، ولو كان الدافع الانتقام للعملية التي قام بها العام 1979، لكانت أولا قد أقدمت على اغتيال كل من اضطرت للإفراج عنهم في عمليات مشابهة، أو أنها أقدمت على ارتكاب الجريمة، في وقت سابق، خلال السنوات الثماني الماضية!
سمير القنطار الذي يتحدر من أصول الطائفة الدرزية في لبنان، انتمى وهو ما زال فتى بعمر الرابعة عشرة لفلسطين عبر جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة القائد الراحل أبو العابس (محمد عباس) وبذلك انتمى للعروبة وللمقاومة، لذا فإنه ما أن أفرج عنه، حتى عاد لصفوف المقاومة، عضوا في "حزب الله"، ربما عرفانا بجميل الإفراج عنه، وربما لأنه وجد في ذلك الحزب عنوانا للمقاومة العربية، خاصة وان "حزب الله" كان في أوج زهوه، بعد أن خرج لتوه منتصرا، في حرب تحرير الجنوب اللبناني، أي انه لم يتقاعد من العمل المقاوم ولا من الكفاح ضد إسرائيل.
ورغم أن الرجل ما كان له أن يتبوأ لأسباب عديدة منصبا قياديا أو محوريا في "حزب الله"، إلا أنه وجد له دورا، في الحرب داخل سورية، وللحقيقة فإنه لم ينخرط في معارك الحزب إلى جانب النظام بالكامل، بل أن "حزب الله" وظف مكانته أكثر من إمكانياته، في تعبيد طريق الاتصال بين سورية ولبنان لمرور الصواريخ والعتاد العسكري من إيران لمخازن الحزب في لبنان، والأهم انه بدأ في التحضير ل فتح جبهة، طالما ظلت مغلقة طوال عقود من السنين، أي منذ العام 1967، ونقصد بذلك جبهة الجولان السوري المحتل. 
صحيح أن الصراع الإقليمي أخذ منحنى حادا وربما حاسما مع الدخول الصريح لروسيا في الحرب الدائرة في سورية، والتي ترسم في الأفق خريطة أنابيب الغاز، حيث تتضح الصورة شيئا فشيئا، من خلال المواجهة التي تزداد حدتها بين روسيا وحلفائها (سورية، إيران و"حزب الله") من جهة، وتركيا وحلفائها (قطر والإخوان) من جهة ثانية، لكن إسرائيل، الضلع الثالث في الصراع الإقليمي، تبدو ولأكثر من سبب خارج دائرة الحرب أو المواجهة الصريحة، منها أن لها شواطئ واسعة على البحر الأبيض المتوسط، حيث لن تواجه مشكلة في تصدير الغاز المكتشف بكثرة على شواطئها لأوروبا، على عكس قطر مثلا، المنافس الكبير بغازها لروسيا أكبر دولة مصدرة للطاقة الجديدة التي تحل شيئا فشيئا مكان النفط، (والدليل أن كلا من روسيا وتركيا تخطبان ود الدولة العبرية حاليا)، لكن إسرائيل تريد تأمين ما ظفرت به بحرب العام 1967، أي إكمال السيطرة على أراضي الضفة الغربية والجولان. 
لذا فإن إسرائيل شجعت الحرب داخل سورية، بهدف تآكل الدولة السورية، وتحويل الصراع الإقليمي إلى داخل البيوت المجاورة، وحتى لا تكون هي الطرف التقليدي فيه، وحيث إن النظام السوري انكمش داخل دمشق والمناطق الساحلية، فيما سيطرت "داعش" على المناطق الشمالية، حيث النفط السوري، الذي تقوم "داعش" ببيعه لتركيا، فإن إسرائيل حرصت على أن تكون جبهة الجولان أكثر هدوءا، بل حرصت على تشجيع قوى مرشحة لتكون صديقة لإسرائيل، من بعض ما يسمى أطراف المعارضة السورية. 
وليس خفيا أن بعض أطراف المعارضة السورية فتحت خطوط الاتصال مع إسرائيل، لدرجة أن يتم إرسال بعض جرحى تلك المعارضة ممن يصابون في الحرب مع النظام، في المعارك التي تجري بالقرب من دمشق وريفها، وفي الجنوب السوري عموما للمشافي الإسرائيلية.
وفر هذا التقارب بين هذه الأطراف وإسرائيل مادة تحريضية لسمير القنطار، ليبرر حربه ضد جبهة النصرة، وإقناع أبناء طائفته في تلك المنطقة بمحاربتها، بحجة أنها تنوي شن حرب إبادة ضد الطائفة، التي ما زالت تتخذ جانب الحياد في الحرب الداخلية في سورية.
وبرأينا أن سمير قنطار تجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة لإسرائيل حين بدأ بتشكيل خلايا المقاومة السورية لتحرير الجولان، التي لم يعد النظام المشغول بحماية نفسه من السقوط منذ أعوام، معنيا بفتح حتى الجبهة السياسية التي كانت قائمة منذ مدريد للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل يعيدها لسورية، في الوقت الذي لا نجد بند الجولان على لائحة عمل أو برامج قوى المعارضة على اختلاف مشاربها، وحده سمير القنطار اقترب من الخط الأحمر، وفتح ملفا أثار الذعر في إسرائيل، لذا وبعد أكثر من عملية اغتيال لمساعديه في ذلك المشروع أقدمت على اغتياله بهدف وأد المقاومة السورية لتحرير الجولان وهي في المهد، تماما كما كانت قد فعلت قبل أعوام باغتيال أبو علي مصطفى، حين شرع بتشكيل خلايا المقاومة في الضفة الغربية، في عز انشغال السلطة وحتى " حماس " بالصراع على سلطة أوسلو.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد