ولسنا بحاجة إلى انتظار تأكيد أو نفي الجانب التركي، لما أوردته مصادر الإعلام الإسرائيلية على لسان المستوى الأمني والسياسي في الدولة العبرية، عن تفاهمات جرت في سويسرا مؤخراً، تقضي «بإعادة» العلاقات بين الجانبين إلى طبيعتها. 
لسنا بحاجة إلى مثل هذا الانتظار، لأسباب لا بد من الإشارة إليها، وفي طليعتها أن العلاقات شبه الاستراتيجية بين الجانبين لم تنقطع على الإطلاق من الناحية العملية. 
العلاقات التجارية والأمنية والسياحية، ظلت تتطور على الرغم من المشادات والتصريحات بين الجانبين ورغم تجميد التبادل الدبلوماسي بينهما.
بلغ حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب هذا العام بنسبة ستة مليارات دولار بما يزيد على 35 بالمائة عما كان عليه في السنة السابقة، ويقال: إن سفناً تركية كانت تحمل النفط الداعشي إلى موانئ إسرائيل، إلاّ أن ذلك لم يوقف حتى الآن، كما أن العلاقات الدبلوماسية لم تنقطع إلاّ من خلال إغلاق السفارات. 
مدير عام الخارجية التركية فريدون سيبتيرلي أوغلو كان ولا يزال يلتقي دبلوماسيين إسرائيليين. المباحثات الأخيرة التي تمخضت عن التفاهمات المشار إليها، جرت بين دبلوماسيين من البلدين، ما يعني بالتأكيد أن إغلاق السفارات، كان شكلاً يغطي على حقيقة العلاقات الوطيدة بينهما، إلاّ أن الدبلوماسية الإسرائيلية لا تعمل منفردة دون الجانب الاستخباري في كل الأحوال، وهذا ما يمكن تأكيده من تزامن التوصل إلى التفاهمات المشار إليها، مع تعيين يوسي كوهين رئيساً للموساد، وللتذكير فإن نتنياهو وهو يعلن عن تسمية كوهين في منصبه الجديد، طلب منه علناً «تعزيز وتطوير العلاقات السياسية مع الدول العربية(!)، ومع دول ساءت العلاقات الإسرائيلية معها، وتشير المصادر الإعلامية الإسرائيلية، أن كوهين كان يقود الجانب الأمني، في المفاوضات التي استمرت بضعة أشهر مع الجانب التركي؛ نظراً لتوليه منصب مستشار الأمن القومي لدى الدولة العبرية، وعمل جنباً إلى جنب مع المدير السابق لوزارة الخارجية يوسي تشغنوفر؛ لإتمام هذه التفاهمات في سويسرا، حتى قبل أن يكلفه نتنياهو بإنجاز هذه المهمة!
وما يؤكد استمرار العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، احتجاج مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية على عدم «إبلاغه» بتطور التوصل إلى هذه التفاهمات، إلاّ أن «الجهات المختصة» ردت على دوري غولد بالقول: إنه شخصياً، كان قد التقى دبلوماسيين أتراكاً في العاصمة الإيطالية روما، في إطار هذه المباحثات، وهذا يشير إلى أنه كان مشاركاً فيها ولا صحة لانتقاداته.
وكانت العلاقات العلنية بين الجانبين قد تراجعت (ولم تتدهور) إثر اقتحام البحرية الإسرائيلية لسفينة مرمرة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة عشرة ناشطاً تركياً، حينها اشترطت أنقرة ثلاثة شروط لإعادة العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه: الاعتذار العلني من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وقد قام نتنياهو بالفعل بالاعتذار رسمياً، وتعويض عائلات ضحايا مرمرة ورفع الحصار عن غزة ، التفاهمات المشار إليها ستؤدي إلى دفع تعويضات لأهالي القتلى الأتراك، وعودة السفراء، وبدء محادثات لإمداد تركيا بالغاز الإسرائيلي، مقابل إلغاء تركيا كل الإجراءات القضائية التي بدأتها ضد إسرائيل، بينما تتعهد أنقرة بعدم إيواء القيادي في حركة حماس صالح العاروري على أراضيها، ولم يتم الحديث مطلقاً عن إنهاء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة(!).
والسؤال الذي لا بدّ من الإجابة عنه في هذا السياق، لماذا الآن؟ وكيف أمكن التوصل إلى هذه التفاهمات في هذا الوقت بالذات؟ 
تعود الإجابة عن هذا السؤال إلى جملة المتغيرات التي أجبرت تركيا للخضوع للاشتراطات الإسرائيلية وإسقاط أهم اشتراطات أنقرة. 
في طليعة هذه الأسباب، حاجة تركيا إلى الغاز الإسرائيلي للتعويض عن الغاز الروسي الذي توقف بعد إقدام تركيا على إسقاط الطائرة الروسية، خاصة أن الجانبين في إطار «حلف غازي أمني» بالنظر إلى تفاهمات سابقة أدت إلى قيام تنسيق بينهما مع كل من قبرص واليونان، للحفاظ على أمن منابع الغاز في المتوسط مقابل إجراءات اتخذتها كل من لبنان وجمهورية مصر العربية للحفاظ على مصالحهما الغازية في البحر المتوسط.
ثاني هذه الأسباب يتعلق، بتراجع نقاط هامة لدي تركيا في المواجهة مع الأكراد، بعد سقوط خططها لإقامة منطقة حظر جوي على الحدود مع سورية، لمنع الأكراد من قيام حكم محلي أو إدارة ذاتية بموجب الأوضاع المعروفة في القطر السوري، وذلك إثر الدور الروسي المتنامي بعد إسقاط الطائرة، الأمر الذي يتطلب خططاً جديدة للمواجهة مع تطلعات الأكراد، وهذا متيسر مع تعاون إسرائيل التي تعتقد تركيا أن لديها خبرة في مواجهة حرب العصابات مع الفلسطينيين. 
وعوضاً وربما بالتوازي مع المناورات المشتركة بين الجيشين، والتي استمرت طوال السنوات الماضية، من المتوقع أن تتم تدريبات إسرائيلية للجيش التركي في كيفية وضع الخطط في إطار حرب العصابات.
أما السبب الثالث، فقد يبدو للوهلة الأولى غريباً بعض الشيء، وهنا نشير إلى التحالف الإسلامي الجديد الذي أعلنت عنه وتقوده السعودية، هذا التحالف تحالف سني بامتياز في إطار المواجهة مع إيران وبعض التشكيلات العسكرية، ونال موافقة أميركا. 
إسرائيل تحاول استثمار ما يجري في المنطقة من تحالفات، ولكن لتوطيد العلاقات الأمنية والسياسية مع المحيط العربي الإسلامي، وفي المقدمة تركيا التي انضمت إلى هذا التحالف.
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد