من أعماقنا التي لا تحتمل مزيداً من الحزن، مبروك لتركيا باعتبارها دولة صديقة يربطنا معها تاريخ وحاضر ومستقبل مشترك. 
مبروك لها حصولها على تعويضات مالية من حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، حكومة المستوطنين، حكومة نتنياهو، تعويضاً لأسر ضحايا سفينة مرمرة الذين سقطوا شهداء على يد همجية وعدوانية أسطول جيش الاحتلال الإسرائيلي في بحر غزة
وشكراً لتركيا التي علمتنا درساً جديداً، علينا أن ندركه وهو أن الدول والأحزاب الحاكمة تتصرف وفق مصالحها أولاً وليس وفق شعاراتها، فمصلحة تركيا تطبيع العلاقات مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بصرف النظر عما يفعله ب القدس العربية الفلسطينية الإسلامية المسيحية تهويداً وأسرلة وصهينة، وبصرف النظر عما يواصل حصاره لقطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس منفردة بلا شراكة مع الآخرين !!
والعزاء للشعب العربي الفلسطيني، ولأهالي قطاع غزة، وجزء لحركة حماس، الذين سيدفعون سياسياً ومعنوياً ثمن تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ولا شك أن تركيا ستحاول تعويض حركة حماس أو طمأنتها بتقليل نتائج التفاهمات التركية الإسرائيلية ولكن بعد ترحيل صالح العاروري أو اختفائه في مكان ما !!. 
نفرح لتركيا لأنها دولة صديقة ولأن أسر الضحايا من حقهم الحصول على تعويضات، ولأنهم نالوا ذلك، أو على الطريق للحصول عليه، فقد استشهدوا تضامناً مع الشعب الفلسطيني، ولذلك نتعاطف معهم ونقدر تضحياتهم، ونعزي أنفسنا وشعبنا العربي الفلسطيني بنتائج الاتفاق بين أنقرة وتل أبيب، ولكننا نشكر تركيا بحق، لأنها أعطت درساً لمن يرغب أن يتعلم أن مصالح تركيا لها الأولوية، على ما عداها من مصالح وعلاقات ومشاعر، وأن سياسات الدول والشعوب تقوم على خدمة مصالحها أولاً والعمل على تحقيقها، وهو درس لعل حركة حماس كفصيل سياسي فلسطيني مهم تأخذ منه العبر التي لم تأخذها بعد، حيث سلسلة من الخطايا السياسية ما زالت تحكم سلوكها وتصرفاتها كتنظيم «إخواني» له الأولوية على حساب مصالح الشعب العربي الفلسطيني. 
فهي، أولاً: بادرت للانقلاب ضد الشرعية وضد الوحدة وأرست تقاليد انقسامية مؤذية للشعب الفلسطيني ومفيدة مجاناً للعدو الإسرائيلي ومشروعه الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، منذ الانقلاب 2007 وحتى يومنا هذا. 
ثانياً: وقفت بقوة مع المعارضة السورية المسلحة انسجاماً مع موقف حركة الإخوان المسلمين والتزاماً بسياستها، رغم أن نظام حزب البعث القومي، نظام الرئيس بشار الأسد بكل ما له وعليه، فتح أبواب سورية لحركة حماس «الإخوانية» ضد سياسات منظمة التحرير فكانت النتيجة أن حركة حماس غلّبت مصالحها الحزبية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني وفقدت مكانتها السياسية والجغرافية في سورية، ودفع اللاجئون الفلسطينيون ثمن هذه السياسة الحزبية المنحازة ضد النظام في دمشق. 
وثالثاً: وقفت حركة حماس ضد المصالح الأمنية والسياسية المصرية، ضد نظام الرئيس السيسي المنتخب بعد ثورة حزيران 2014، ووظفت إعلامها عبر محطتي تلفزيون الأقصى والقدس للردح ضد «النظام الانقلابي» ومتمسكة بنظام الرئيس السابق محمد مرسي «الشرعي المنتخب» إثر ثورة يناير 2013، ودفع أهالي قطاع غزة الثمن وما زالوا. 
وفي جميع الحالات المذكورة وغيرها وظفت حركة حماس مكانتها كفصيل فلسطيني كان مقاوماً وحقق لنفسه مكانة وحصل على أغلبية برلمانية في الانتخابات التشريعية عام 2006، وراهن عليه قطاع واسع من الفلسطينيين، لكن حماس وظفت هذه المكانة اللائقة والمعتبرة لصالح حركة الإخوان المسلمين، وضد مصالح الشعب العربي الفلسطيني الذي يخوض شبابه وشاباته نضالاً باسلاً شجاعاً ضد العدو المتفوق وبأدوات بدائية، رفضاً للاحتلال، ورفضاً للتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب وفق اتفاق أوسلو، ورفضاً لتفاهمات التهدئة الأمنية والاتفاق بين غزة وتل أبيب، الموقع في القاهرة أيام الرئيس محمد مرسي مع العدو الإسرائيلي يوم 21/11/2012. 
مبروك لتركيا، والأسى للفلسطينيين، والعزاء الشديد لأهالي قطاع المحكومين من طرف واحد، من قبل حركة حماس حليفة الحزب الحاكم في تركيا، كجزء من حركة الإخوان المسلمين وامتداد لها. 
h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد