يبدو أنني سأتوقف عن الاندهاش كلما سمعت خبراً من أخبار سبي النساء، فلم يعد تصيبني الصدمة من قتلهن بوحشية، سواء بسبب كره البعض للنساء تارة، أو بسبب هيام وحب البعض الآخر لهن تارة أخرى..
سأتخلى عن انفعالي إثر الاستماع لشهادات القتل والاغتصاب والخطف والسبي والاتجار والإكراه، إلى نهاية قائمة انتهاكات حرمة النساء في بلاد الشقاء العربي، في بلاد الشام وشمال إفريقيا. 
مداولات لقاء بيروت ذات صلة بروح المدينة وفضاءاتها، هوامش منحتها لها صدف الجغرافيا والديموغرافيا. 
جمعية «كفى عنف واستغلال» تبتغي تحريك المياه الراكدة عبر تنظيم عصف فكري حول «التابويات» الثقافية، وأشكال الابتزاز الأيديولوجي وتآكل المواقف وعقد الصفقات بين القوى المتنفذة على حساب تقدم وضعية النساء ومشاركتهن المتساوية. 
المداولات ترفض منظومة مكرور النقاش وجرِّه إلى نهاية العام، على شاكلة لزوم ما لا يلزم.
ما يميز لقاء بيروت استكماله ومراكمته على مخرجات منتدى أربيل، آخذاً في الاعتبار الهزات الانحدارية. 
في أربيل تركيز على آليات مقاومة النساء التطرف والإرهاب وحمايتها منهما، وفي بيروت، تركيز على فشل الآليات الدولية في حماية النساء، واستعراض وتعريض في التبني الأنظمة المحلية السطحي لآليات الحماية الدولية.
المرأة الفلسطينية المخضرمة عايشت واختبرت جيداً كوارث فشل الآليات الدولية في تحقيق الحماية، وهذه تضاف إلى تلك، خبرة تملص الدُول العربية من التزاماتها وواجباتها اتجاه حماية المرأة بذريعة الخصوصية الثقافية. 
ما يميّز اللقاء؛ استخلاصه أن طريق العربيات بعد الحراك لم يكن مستقيماً، بل اعتراه كثير من الالتواءات والانحرافات عن المسار، وانسداد الأفق أمام حمايتها من العنف دون وضع استراتيجيات مكافحة الفكر الأصولي. 
ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة اعترفت بوضوح دون تأويل، بأن القرار 1325 لم يُطبّق رغم كونه أحد الصكوك الدولية المهمة، واندفعت في صراحتها لدى تشكيكها في جدواه في حالة عدم قدرته على التأثير على أرض الواقع، وهي محقة بسبب الارتفاع غير المسبوق لمعدلات العنف ضد المرأة حتى في الدول المستقر حكمها، ليس بسبب ازدواجية المعايير فقط، بل بسبب ازدواجية التطبيق العائدة للتمييز ضد النساء وغياب الإرادة السياسية.
لقد بُطِش بالمرأة بسبب مشاركتها في ميادين التغيير، ونالت نصيبها من الانتهاك والقسوة كالرجل تماماً أو أكثر قليلاً في بعض الحالات. قتلت وسُحلت واعتقلت واغتصبت وشُردت وعرضت أجسادهن في أسوق النخاسة وتم تسعيرها وفقاً لقوانين السوق والعرض والطلب، ما يؤكد عجز الدساتير والقوانين في توفير الحد الأدنى من الحماية وحفظ الكرامة الإنسانية. 
اجتماع بيروت، عبَّر عن وعي وإدراك المرأة لطبيعة الصفقات التي تضحي بالمرأة على مذبح المصالح السياسية والبقاء في السلطة، فمن جهة؛ يخرق المجتمع الدولي الاتفاقيات الحقوقية التي أنتجها ويتواطأ على حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، تخترق الأنظمة التقليدية مرجعياتها وتتواطأ مع القوى السلفية على النساء، وتحوَّل توقيعاتها على الصكوك الدولية إلى مجرد حبر على ورق. 
يتحفظ البعض على جوهر الحقوق والبعض الآخر يتلكأ في مواءمة تشريعاته والإيفاء بالتزاماته، والجميع يتذرع بالخصوصية الثقافية كمشجب يعلق عليه ازدواجية معاييره ويخفي خلفها مواقفه الأصولية.
في بيروت الملتقى، نتعرف على اصطياد الفرصة، قيام الأنظمة في تضييق الحريات وتكريس التسلط في إحكام قبضتها وسيطرتها تحت عنوان مسمى محاربة الإرهاب، فترتخي قبضتها عن الإمساك بمسؤوليتها في تأمين الحماية للنساء، ونرى أن حماية النساء سيان في حالات السلم والحرب، حيث التقصير سيد المكان، في سن قوانين الحمائية وفي اشتقاق سياسات أساسية وتدخلات انتقالية ذات أبعاد ثقافية، بل تزيد الأمور بلّة في إحيائها القوانين والأعراف القبلية والعشائرية كبدائل موازية للقوانين؛ ما يكبح المسار القانوني ويكرِّس دونية النساء وانكشافهن ويحطّ من كرامتهن وإنسانيتهن، كما تعجز الأنظمة في حالة الصراع المسلح عن حماية النساء، فلا هي قادرة على إيجاد الحلول لأزمات اللجوء، ولا تنجح في وقف وردع عمليات الاتجار بالنساء والفتيات.
في هذه العجالة، وعلى خلفية فشل الآليات المعتمدة في حماية النساء، المحلية والدولية، سجلت النساء الخلل الكبير في سياسات التمويل المعتمدة تجاه المنظمات، من حيث ضعفه وقصوره في تأمين استمرارية البرامج وديمومة عمل المنظمات، وسجلت تحفظها على سياسة المموِّل وفرضه أولويات لا تضع احتياجات النساء كما يرونها على الأرض بعين الاعتبار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد